أي نوع من المستثمرين أنت؟ هل أنت من النوع المغامر (يا صابت يا خابت) أم أنك ترضى بتحقيق المكاسب المستقرة والمنتظمة؟
قبل البدء بالاستثمار، لابد أن تحدد أسلوب استثمارك. وفي هذا الصدد يوجد متغيّرين أساسيين لتحديد أسلوب استثمارك وهما مدى تحملك للمخاطر ومقدار الزمن الذي يمكنك أن تخصصه للاستثمار.
المخاطرة
كيف ستكون نفسيتك لو استثمرت في شيء يتغيّر سعره كل يوم، وفي أحيان كثيرة بغير الاتجاه الذي تريده؟ حيث توجد درجات مختلفة للمخاطرة بدءاً من الودائع والمرابحات التي تعتبر بدون مخاطر حيث تضمنها الحكومة، إلى السلع وعقود الخيار والمشتقات المالية التي يمكن أن تخسر فيها كل مالك.
ويلزم أن تضع في اعتبارك كيف ستشعر إذا انخفضت قيمة استثمارك على المدى القريب أو المتوسط أثناء رحلتك بحثاً عن العوائد على المدى الطويل. وبالرغم من أن الأسهم على سبيل المثال قد حققت عوائد مستمرة عبر العقود الماضية كما ذكرنا في السابق، إلا أن تلك الفترة تخللتها بعض الفترات السيئة كما رأينا على سبيل المثال في السوق الأمريكي في عقد الثلاثينيات وبين عامي 1964م و1977م، كما أنه من المحتمل أن تفقد استثماراتك 80% من قيمتها تقريباً لو أنك اشتريت في الأسهم الأمريكية في أعلى مستوى لها في عام 1929م قبيل انهيارها، كما كنت ستخسر 40% تقريباً إذا كنت قد اشتريت في الأسهم الأمريكية عند ارتفاعها في عام 1972م، أما في أكتوبر عام 1987م فإن مؤشر (داو جونز) الأمريكي قد انخفض بنسبة 25% … في يوم واحد! ولكن أهم شيء تتذكره عن الأسهم هو أنك لا تخسر بالفعل حتى وقت البيع. فلو أنك لم تفزع وتبيع أسهمك في أكتوبر 1987م، ستكون قد حققت أرباحاً جيدة مع ارتداد السوق في الأعوام اللاحقة. وكذلك في السوق السعودي فإن المستثمر في شهر اكتوبر عام 2008م كان من الممكن أن يخسر حوالي 25% من استثماراته في ظرف ثلاثة أيام ما بين 6/10/2008م إلى 8/10/2008م. لذلك عندما تستثمر في سوق الأوراق المالية يلزم أن تركز على المدى الطويل. ولا تستثمر أي مال في الأسهم قد تحتاجه على المدى القصير.
وبالمقابل فالودائع والمرابحات (وبحد أقل السندات والصكوك) تقدّم عائدات شبه مضمونة (بمشيئة الله). أما الاستثمار في الأوراق المالية والعقارات فإنه لا يوجد ضمان بأن الرحلة سوف تكون سلسلة أو أن الاستثمار سوف يحقق لك الربح، ولكن لو اشتريت أصولاً جيدة وحافظت عليها على المدى الطويل فإن الوقت سوف يكون حليفك.
ومن هذا الاستعراض يتبين لنا أن العائد والمخاطرة وجهين لعملة واحدة. فلا ينبغي تحمّل مخاطرة أكبر إلا بعائد أكثر، كما لا يمكن الحصول على زيادة في العائد دون رفع نسبة المخاطرة التي نتحملها (باستثناء أثر التنويع الذي تحدّثنا عنه سالفاً والذي يقلل من المخاطرة دون أن ينقص من العائد بنفس النسبة، مما يجعله أقرب إلى هدية ينبغى على كل أحد قبولها والاستفادة منها). وبهذا ينبغي عليك أن تكون يقظاً إذا عرض عليك أحدهم استثماراً يحقق لك عائداً “خُرافياً” و”مضموناً” أو “شبه مضمون”. فلو كان الأمر كذلك لترك العالم الاستثماري المحترف جميع الفئات الاستثمارية والأسواق الأخرى ولصبوا جميع استثماراتهم في هذه الفرصة “الفلّة”. وجميعنا نعلم أن هذا ليس بالحاصل. هذا لا يعني أنك لن تصادف في حياتك أبداً أي فرصة استثمارية مميزة، ولكنّي أدعوك دائماً بأن تبدأ بمنظور المُشكّك وتجعل عبء الإثبات على الطرف الآخر.
كما أن الحديث السابق عن المخاطرة يبيّن لنا أنه لا ينبغي للمرء تحديد توجهه الاستثماري من ناحية العائد الذي يريده فقط. فكما أن الطريق الآمَن قد لا يكون الطريق الأفضل إذا كان يحقق لك عائداً أقل مما يستحق، كذلك الطريق ذي العائد الأعلى قد لا يكون الطريق الأفضل إذا كان يحمّلك مخاطرة أكبر مما يدرّه من عوائد. لذا فالهدف دئماً هو الحصول على أعلى عائد ممكن على المدى الطويل بالمقارنة مع المخاطرة التي يستطيع المستثمر تحمّلها. أما النظر إلى وجه العائد فقط فقد يعطينا نتيجة غير صحيحة (وغير مأمونة)، إذ أنه أشبه بشخص يبحث عن أسرع سيارة دون أن يتأكد من أن مكابحها وهيكلها جيداً ومناسب لسرعتها. ولا أتوقع أن أي أحد منّا يرغب بشراء سيارة فِراري سريعة إذا كانت دون مكابح!
الوقت
وبمناسبة الحديث عن المدى الطويل – فإن الزمن يعتبر عنصراً مهماً آخر لتحديد شكل استثمارك. فما مقدار الزمن الذي تريد إنفاقه على الاستثمار؟ وإلى أي مدى تريد أن تكون نشطاً في إدارة أموالك؟ هل تريد أن تقضي أقل من 15 دقيقة في العام عليها؟ (مما يعني عدم إمكانية أخذك لدور نشط في إدارة استثماراتك) أو ربما لديك ما يزيد عن ثمان ساعات في الأسبوع، مما يعطيك الوقت الكافي للبحث عن الفرص الاستثمارية الواعدة وقراءة البيانات المالية لانتقاء أسهم الشركات المناسبة.
وبمناسبة الحديث عن المدى الطويل – فإن الزمن يعتبر عنصراً مهماً آخر لتحديد شكل استثمارك. فما مقدار الزمن الذي تريد إنفاقه على الاستثمار؟ وإلى أي مدى تريد أن تكون نشطاً في إدارة أموالك؟ هل تريد أن تقضي أقل من 15 دقيقة في العام عليها؟ (مما يعني عدم إمكانية أخذك لدور نشط في إدارة استثماراتك) أو ربما لديك ما يزيد عن ثمان ساعات في الأسبوع، مما يعطيك الوقت الكافي للبحث عن الفرص الاستثمارية الواعدة وقراءة البيانات المالية لانتقاء أسهم الشركات المناسبة.
والعامل الزمني الآخر هو: متى ستحتاج إلى المال؟ فإن اختيارك للأدوات الاستثمارية المناسبة سيختلف إذا كنت ستحتاج إلى المال الأسبوع القادم أو بعد مائة عام. وبرغم من أن الأسهم لها عائدات جيدة على المدى الطويل، إلا أن حركتها خلال الفترات الممتدة لثلاث سنوات أو أقل قد تكون مخيفة.
الاستراتيجيات النشطة والساكنة
هناك طريقتان أساسيتان لإدارة استثماراتك هما الإدارة النشطة والإدارة الساكنة. وليس المقصود بذلك أن المستثمرين النشطين هم الذين يصحون باكراً ويمارسون الرياضة، بينما المستثمرين الساكنين هم الذين يصحون متأخراً ويشاهدون التلفاز كثيراً. ولكن التفرقة الفعلية بين الاستثمار النشط والساكن تعتمد على مدى النشاط والتركيز على اختيار الشركات التي تستثمر فيها (إما بمفردك أو بمعرفة مدير استثماراتك) أو عما إذا كانت استثماراتك تتحدد بطريقة تلقائية بناء على مؤشر ما أوجده طرف ثالث.
وقرار المستثمر عن أي الاستراتيجيّتين ينتهج، هو أمر يرجع لمعيارين رئيسيين:
• مقدار الوقت المتوفر لدى المستثمر.
- فكما ذكرنا قبل قليل فإن المستثمر الذي لديه الكثير من الوقت بإمكانه تمضيته في البحث ضمن السوق عن أفضل الأسهم ليركز استثماراته عليها، وبالتالي ليحاول التغلب على أداء السوق بصفة عامة. أما المستثمر الذي ليس لديه الكثير من الوقت فيصبح ميّالاً لاستراتيجية ساكنة بحيث يكون مستثمراً في السوق ككل دون تمضية الكثير من الوقت في تحليل هذا السهم أو ذاك. ومسألة الوقت المتوفر أصبحت تلعب دوراً أقل في اختيار أحد الاستراتيجيّتين لأن حتى المستثمر ذي الوقت القليل أصبح بإمكانه وضع ماله في صندوق استثماري يمارس مديره الإدارة النشطة نيابة عنه. لذا أصبح العنصر المقرر لاختيار أحد الاستراتيجيّتين هو العنصر التالي.
•وجهة نظر المستثمر حيال مدى كفاءة السوق.
- كلما كان المرء يؤمن بأن السوق عالي الكفاءة أصبح يميل للاستثمار بالأسلوب الساكن (نظراً لقناعته بعدم جدوى محاولة التغلب على السوق بصفة مستمرة)، بينما إذا كان المرء يرى عدم الكفاءة في السوق (أي وجود ثغرات بين أسعار الأسهم وبين قيمتها الفعلية او المتوقعة بناء على المعلومات المتوفرة) فإن ذلك يحذوه لانتهاج الإدارة النشطة ليحاول البحث عن تلك الثغرات واستغلالها ومن ثم الاستفادة منها.
والاستثمار النشط هو ما يقصده معظم الناس عندما يتحدثون عن الاستثمار في الأسهم، فهذا فلان يتحدث عن نجاحه في اختيار السهم الذي صعد أكثر من غيره، وهذا علاّن يشتكي من خسارة الأسهم التي استثمر فيها أكثر من السوق. وينطبق مفهوم الإدارة النشطة سواءاً كان المستثمر يمارس هذه الإدارة بمفرده أو يقوم بها مدير الصندوق الاستثماري الذي يستثمر به نيابة عنه. كما أن الناظر للسوق السعودي على وجه الخصوص يجد أن معظم الصناديق الاستثمارية التي تستثمر فيه تنتهج أسلوب الإدارة النشطة.
ويمكن اختصار المقارنة بين استراتيجية الإدارة النشطة وبين استراتيجية الإدارة الساكنة في المرفق التالي.
مرفق 2-1: مقارنة بين الإدارة النشطة (الإيجابية) والإدارة الساكنة (السلبية)