قصة قصيدة “أضاعوني وأيُّ فتى أضاعوا”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أضاعوني وأي فتى أضاعوا” فيروى بأنّه عندما توفي الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان سنة ستة وتسعين للهجرة، تولى مكانه سليمان بن عبد الملك، وقد كان سليمان يكره الحجاج كرهًا شديدًا، وذلك بسبب جرائمه الكثيرة، وسفكه لدماء الناس بسبب أصغر الشبهات.
وعندما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة، قام بوضع صالح بن عبد الرحمن واليًا على العراق، وقد كان صالح من أشد أعداء الحجاج، فقام صالح بن عبد الرحمن بعزل رجال الحجاج من مناصبهم، وكان منهم محمد بن قاسم أمير السند، وهو من فتحها، وعيّن مكانه يزيد بن أبي كبشة السكسكي.
وكان محمد بن القاسم قد قتل داهر، حينما فتح السند، وكان لداهر ابنة تدعى صيتا، فانتقلت صيتا من حياة العز والغنى والسيطرة إلى حياة الفقر والذّل والمهانة، بعد أن مات أبوها، وأصبحت صيتا مملوكة بعد أن كانت ملكة، وامتلأ قلبها كرهًا وحقدًا على محمد بن القاسم.
وعندما أزيح محمد بن القاسم من منصبه قرّرت صيتا أن تأخذ بثأرها منه، وأن تنتقم لأبيها وأمها ولنفسها، وأن تشفي غليلها منه، فذهبت عند الوالي الجديد يزيد السكسكي، وشكت إليه محمد بن القاسم، وادعت عليه أنّه قام بالاعتداء عليها، بعد أن أسرها، وهي تهمة كبيرة، فقام الوالي الجديد يزيد السكسكي بالقبض على محمد بن القاسم، وقام بإرساله إلى والي العراق صالح بن عبد الرحمن لكي يتم التحقيق معه.
وبالفعل تم أخذه وهو مقيد بالأغلال إلى العراق، وبينما هو في طريقه إلى العراق، أنشد بيته المشهور، الذي أصبح بعد ذلك مثلًا في الصدق والإخلاص، فقد كان محمد بن القاسم يحب الجهاد في سبيل الله، وقد حرموه منه وأوقفوه عنه، فقال وقد ملأ الحزن قلبه:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
وعند وصوله إلى بغداد حكم عليه صالح بالسجن، وحبس في سجن مدينة واسط، الذي كان الحجاج يزج فيه الناس لأصغر الشبهات، وقد عذب محمد بن القاسم بنفس أدوات التعذيب التي عذب فيها الحجاج من كان يسجنهم، وذلك لكي يعترف بالجريمة التي اتهم فيها، ولكنّه بقي يقسم أنّه لم يفعلها، وينشد:
فلئن ثويت بواسط وبأرضها
رهن الحديد مكبلًا مغلولا
فلرب قنية فارس قد رعتها
ولرب قرن قد تركت قتيلا
وبقي متمسكًا ببراءته، حتى مات وهم يعذبونه.