قصة قصيدة “أعمرو علام تجنبتني”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “أعمرو علام تجنبتني” فيروى بأنّ إبراهيم بن ميمون الصائغ حج في أيام هارون الرشيد، وبينما كان في مكة يمشي في الأسواق، مرّت من عند فتاة جالسة على حافة الطريق، فأنكر حالها، ووقف ينظر إليها ساعة، وبينما هو ينظر إليها، أنشدت الفتاة، قائلة:
أعَمُرْو عَلامَ تَجَنّبْتَني؟
أخَذتَ فؤادي فَعَذّبِتَني
فلوْ كُنتَ، يا عمرُو، خبّرْتَني
أخَذتُ حِذارِي، فما نِلْتَني
فاقترب منها إبراهيم الصائغ وقال لها: يا هذه، من هو عمرو؟، فاستغربت الفتاة سؤاله، ولكنّها أجابته وقالت له: إنّه زوجي، فقال لها الصائغ: وما شأن زوجك؟، فقالت له الفتاة: أخبرني أنّه يحبني، وبقي يتوسل إلي أن يتزوجني، ويشكو إلي ألمه من فراقي، ويلحقني من شارع إلى شارع، حتى قبلت وتزوجت منه، وقد كان له حب في قلبي كالذي لي في قلبه، فمكث معي قليلًا، ثم غادر إلى جدة، وتركني وحيدة، فقال لها الصائغ: صفيه لي، فقالت له: أحسن من تراه من الرجال، وهو أسمر وحلو وظريف.
فقال لها إبراهيم الصائغ: هل تحبين أن أجمع بينكما، فظنّت الفتاة أنّه يهزل بها، وقالت له: ليس لك من سبيل إلى ذلك، فقال لها الصائغ: سوف أريكي، وركب راحلته وتوجه إلى جدة، وعند وصوله توجه إلى المرفأ، ينظر من يعمل في السفن، وينادي: يا عمرو يا عمرو، فإذا برجل يخرج إليه من سفينة، وعلى عنقه سلة، فعرفه الصائغ من وصف زوجته له، وقال له: أعمرو علام تجنبتني؟، فقال له: هيه هيه، لقد رأيتها وسمعتها منها، أليس كذلك؟، فقال له الصائغ: نعم، فسكت عمرو قليلًا ثم اندفع يريد الانصراف، فأوقفه الصائغ، وقال له: ألا تريد أن ترجع عند زوجتك؟، فقال له: بأبي أنت وأمي، وكيف لي إلى ذلك سبيلًا؟، والله إني أحب أن اعود إليها، ولكن طلب المعاش منعني عن ذلك، فقال له الصائغ: وكم يكفيك في كل سنة؟، فقال له عمرو: ثلاثمائة درهم، فأعطاه الصائغ ئلاثة آلاف درهم، وقال له: هذه تكفيك عشر سنين، وأعاده إلى زوجته، وقال له: إذا أنفقتها، أو اقتربت من أن تنفقها، تعال عندي وسوف أسرّك.
وقال الصائغ فيما صنع لعمرو وزوجته: والله لقد كان ذلك أحب إلي من حجي.