قصة قصيدة “ألا لا يجهلن أحد علينا”:
أمَّا عن التعريف بشاعر هذه القصيدة: فهو عمرو بن كلثوم التغلبي يكنى أبو الأسد، عرف عنه بالفروسية فكان من أكثر فرسان قبيلته شجاعة.
عندما ولدت ليلى قال الزير سالم لزوجته هند: سوف نقتلها حسب عاداتنا ولكنّ هند لم تفعل هذا وقد أمرت أحد من خدمها أن يبعدوها عن أبوها حتى لا يراها وفي ليلة من الليالي نام الزير سالم وفي منامه هتف به هاتف يقول له:
كم من فتى مؤمل
وسيد شمــــــــــردل
وعدة لا تجهـــــــل
في بطن بنت مهلهل
وقد أفاق بعدها منزعجًا وقال لزوجته هند: يا هند أين ابنتي؟، فردت عليه وقالت قتلتها كما أمرتني، فقال لها : كلا لم تقتليها وإله ربيعة ، وكان هو أول من حلف بإله ربيعة، فأصدقيني القول ، فأخبرته الحقيقة، وعندها قال لها: فلتحسني مثواها، ومن ثم تزوجت ليلى من كلثوم التغلبي وحملت بعمرو، وقد حلمت وهي حامل أنّه أتاها أحد وقال لها:
يا لك من ليلى من ولد
يقدم إقدام الأسد
من جشم فيه العدد
أقول قيلا لا فند
وبالفعل فقد ساد عمرو قبيلته وهو ابن الخامسة عشر من عمره، وقد كانت قبيلته من القبائل المعروفة بالشرف والمجد، وأسرته قد سادت تغلب وساداتها، وقيل فيهم لو أبطأ الإسلام لسادت تغلب الناس، ولد عمرو في بيت عز وشرف وشبّ شجاعًا وكريمًا وشاعرًا، وقد أصبح شاعر القبيلة.
وأمّا عن مناسبة قصيدة “ألا لا يجهلن أحد علينا” فيروى بأنّ عمرو بن هند ملك المناذره، كان في يوم جالسًا مع رجال دولته، فقال لهم: هل تعرفون أحدًا من العرب، تستكبر أمه عن خدمة أمي هند، فقالوا له نعم: عمرو بن كلثوم، فقال لهم: لماذا؟، فقالوا له: أمّه ليلى بنت المهلهل بن ربيعة، وعمها كليب أعز العرب، وزوجها كلثوم بن مالك من فرسان العرب، وابنها عمرو سيد تغلب، وكانت أمُّ الملك عمر بن هند هي عمّة إمرؤ القيس.
فأمر عمرو بن هند رجاله بالذهاب إلى عمرو بن كلثوم وإعطائه رسالة منه، وكانت فحوى الرسالة بأنّه يريد منه أن يزوره، وأن يحضر معه أمّه ليلى لزيارة أم الملك هند، فقبل عمرو بذلك، وأقبل على الحيرة من الجزيرة معلومات.نت ومعه جماعة من قومه، وكانت معه أمّه ليلى، وعندما وصلوا إلى قصر الملك، دخل عمرو بن كلثوم إلى رواق الملك، ودخلت ليلى وهند في غرفة بجانب رواق الملك، وكان الملك قد أمر أمّه أن تنحي خدمها عند وقت الطعام، وعندما حظرت المائدة، وبينما هم جالسون يتناولون الطعام، قالت هند لليلى: ناوليني يا ليلى ذلك الطبق، فقالت لها ليلى: فلتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، فأعادت هند طلب الطبق منها، فصاحت ليلى وقالت: واذلاه، يا لتغلب، فسمعها ابنها عمرو، وثار الدم في جبينه، ونظر إليه الملك فرأى الشر في عينيه.
وعندها قام عمرو بن كلثوم إلى سيف معلق على جدار مجلس الملك، وأخرجه من غمده وقتل عمرو بن هند، ثم نادى من كان معه من بني تغلب، وعندما دخلوا وانتبهوا إلى ما حصل، قاموا بأخذ عمرو بن كلثوم، وعندها كتب عمرو قصيدته المشهورة التي وصف فيها ما حدث بينه وبين عمرو بن هند، وتكلم فيها عن شجاعته وعزته، وقال فيها:
أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا
فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ
نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ
تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً
مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا
فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ
عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا
إِذَا عَضَّ الثَّقَافُ بِهَا اشْمَـأَزَّتْ
وَوَلَّتْـهُ عَشَـوْزَنَةً زَبُـوْنَـا
عَشَـوْزَنَةً إِذَا انْقَلَبَتْ أَرَنَّـتْ
تَشُـجُّ قَفَا المُثَقِّـفِ وَالجَبِيْنَـا
فَهَلْ حُدِّثْتَ فِي جُشَمٍ بِنْ بَكْـرٍ
بِنَقْـصٍ فِي خُطُـوْبِ الأَوَّلِيْنَـا
وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ
أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا
وقال أيضًا:
وَنَحْنُ غَدَاةَ أَوْقِدَ فِي خَـزَازَى
رَفَـدْنَا فَـوْقَ رِفْدِ الرَّافِدِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَابِسُوْنَ بِذِي أَرَاطَـى
تَسَـفُّ الجِلَّـةُ الخُوْرُ الدَّرِيْنَـا
وَنَحْنُ الحَاكِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا
وَنَحْنُ العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَحْنُ التَّارِكُوْنَ لِمَا سَخِطْنَـا
وَنَحْنُ الآخِـذُوْنَ لِمَا رَضِيْنَـا
وَكُنَّـا الأَيْمَنِيْـنَ إِذَا التَقَيْنَـا
وَكَـانَ الأَيْسَـرِيْنَ بَنُو أَبَيْنَـا
فَصَالُـوا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْهِـمْ
وَصُلْنَـا صَـوْلَةً فِيْمَنْ يَلِيْنَـا
فَـآبُوا بِالنِّـهَابِ وَبِالسَّبَايَـا
وَأُبْـنَا بِالمُلُـوْكِ مُصَفَّدِيْنَــا
إِلَيْكُـمْ يَا بَنِي بَكْـرٍ إِلَيْكُـمْ
أَلَمَّـا تَعْـرِفُوا مِنَّـا اليَقِيْنَـا
أَلَمَّـا تَعْلَمُـوا مِنَّا وَمِنْكُـمْ
كَتَـائِبَ يَطَّعِـنَّ وَيَرْتَمِيْنَـا