قصة قصيدة “أعلمه الرماية كل يوم”:
أمَّا عن قصة قصيدة “أعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ ” يروى أن مالك بن فهم الأزدي ذهب مع قبيلة من اليمن إلى عُمان، فكان أول من وصل من عشيرته بعد السيل العرم.
وعند وصولهم إلى عُمان شنَّت حرب بينه وبين الفرس، فكان عدد من كان مع مالك ستة ألآف شخص والفرس بلغ عددهم عشر ألآف مقاتل، وفي هذه الحرب لم يكتب لمالك النصر، وبعد فترة من الزمن عاد مالك ومعه جيشًا كبيرًا يبلغ عدده عشر آلاف فارس، وكان عدد الفرس آنذاك أربيعين ألف فارس، على الرغم من عددهم الكبير فقد تمكن مالك من طرد الفرس منها وأصبح حاكمًا عليها.
ومرت الأيام، وكان مالك بن فهم الأزدي قد جعل على أولاده الحراسة بالمناوبة على قصره، ومعهم مجموعة من قومه الأزد، وكان أقرب أولاد مالك إليه هو ابنه الصغير “سليمة”، وكان إخوته يحسدونه على مكانته عند أبيهم، وجعلوا يطلبون له الزلة من أبيه وقومه.
فكان مالك يميز ابنه “سليمة” عن جميع أولاده حيث كان يعلمه الرماية وركوب الخيل إلى أن تعلم وكبر وأصبح فارسًا يعتمد عليه فكان يستلم المناوبة والحراسة.
عندما كبر وبلغ حسده إخوته على المكانة الكبيرة التي حظي بها عند أبيهم، فذهب واحدًا منهم إلى أبيهم، وقال له: يا أبانا! إنّك جعلت أولادك كلهم يحرسون بالمناوبة فكنّا نقوم بما كنت تأمرنا به إلّا “سليمة” فإنّه أضعف همّة فكان كلما جاء الليل يعتزل الفرسان، ويذهب إلى النوم، ولكن مالك لم يقتنع بما قاله أولاده عنه، فرد الأبناء إليه مرّة أخرى حتى ملأ الشك قلبه.
وهنا قرّر أن يراقب مناوبة ابنه “سليمة”، وفي يوم كان على رأس الفرسان يحرس، وعندما حلّ الليل قدم مالك متخفيًا، لكي يراقب “سليمة” ولكن سليمة انتبه من خلال صهيل فرسه، وقد ظنّه غريب، وقام بوضع سهمه في قوسه وهنا أحس مالك بذلك فنادى عليه وقال: يا بني لا ترمي السهم أنا أبوك، فقال سليمة يا أبت قد ملك السهم قصده، فأصاب مالكاً السهم فلم يبرأ، وكان سبباً في مقتله، وقبل أن يموت قال هذه القصيدة في ابنه سليمة، وقال فيها:
فيا عَجَباً لمن رَبَّيتُ طِفلاً
أُلَقِّمُهُ بأَطرافِ البَنانِ
جَزاهُ الله ُ من وَلَدٍ جزاءً
سُلَيمَةَ إِنَّهُ شَراً جزاني
أُعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ
فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني
وَكَم علمتُه نظمَ القوافي
فَلما قالَ قافيةً هجاني
أَعلَّمه الفُتُوَّة كل وَقتٍ
فَلَمّا طَرَّ شارِبُه جَفاني
رَمى عَيني بِسَهمٍ أَشقَذيٍّ
حَديدٍ شَفرتَاهُ لهْذَمانِ
توخّاني بِقَدحٍ شَكَّ قَلبي
دَقيقٍ قد بَرَته الراحَتان
فأَهوى سَهمه كالبَرقِ حَتىّ
أَصابَ به الفؤادَ وما اتَّقاني
فَلا ظَفَرت يَداهُ حينَ يَرمي
وَشُلَّت منه حامِلةُ البَنانِ
فابَكوا يا بَنيَّ عليَّ حَولا
ورَثُّوني وَجازوا من رَماني