قصة قصيدة “لحى الله من لا ينفع الود عنده”:
أمّا عن مناسبة قصيدة “لحى الله من لا ينفع الود عنده” فيروى بأنّ عزة أرادت في يوم أن تعرف مدى حب كثير لها، فغابت وأعرضت عنه، وفي يوم نزلت إلى السوق وهي متنكرة، ومرّت من أمام كثير، فقام كثير ولحقها، وعندما أدركها كلمها، فقالت له: أين حبك لعزة؟، فقال لها: أفديك بنفسي، لو أنّ عزة جارية لي لوهبتك إياها، فقالت له: ويحك، لا تفعل، لقد وصلني أنّها لك في صدق مودتها، ومحض حبها وهواها لك، وقد وصلني أنّك كنت تبدي لها حبًا كحبها لك، بل وأكثر، فأين أنت من قولك:
إذا وَصَلَتنا خِلّةٌ كي نُزيلَها
أبَينا، وقلنا: الحاجِبِيّةُ أوّلُ
فقال لها كثير: بأبي أنت وأمي، فلتتوقفي عن ذكرها، واسمعي ما أقول لكي، وأنشد قائلًا:
ما وَصْلُ عَزّةَ إلاّ وَصْلُ غانيَةٍ
في وَصْلِ غانيَةٍ من وصلها خَلَفُ
ثم قال لها كثير: ما رأيك بأن تصبحي خليلتي؟، فقالت له: كيف ذلك وأنت قد قلت الكثير في عزة؟، فقال لها كثير: أقلبه فيصبح لك، فقامت عزة بإسدال النقاب عن رأسها، وقالت له: أتغدرني وتنكث وعودك لي أيها الفاسق؟، فانصدم كثير وسكت، فلم يستطع أن ينطق بأي شيء، واحتار وخجل، ومن ثم قالت: قاتل الله جميلًا حينما قال:
لحَى اللهُ مَن لا يَنفَعُ الوِدُّ عِندَهُ،
ومَن حَبلُهُ إنْ مُدّ غيرُ متينِ
وَمَن هوَ ذو وَجهَينِ ليسَ بدائِمٍ
على العَهدِ حلاّفٌ بِكلّ يمِينِ
فبدأ كثير يتحدث إليها بانكسار وحصر وانخزال، وهو يعتذر منها، ويحاول التهرب ممّا فعل، ويحتال عليها لكي تنسى ما بدر منه، ومن ثم أنشدها قصيدة جميل التي قالها في بثينة، حيث قال:
أَلا لَيتَني قَبلَ الَّذي قُلتِ شيبَ لي
مِنَ المُذعِفِ القاضي سِمامُ الذَرارِحِ
فَمُتُّ وَلَم تُعلَم عَلَيَّ خِيانَةٌ
أَلا رُبَّ باغي الرِبحِ لَيسَ بِرابِحِ
فَلا تَحمِليها وَاِجعَليها جِنايَةٌ
تَرَوَّحتُ مِنها في مِياحَةِ مائِحِ
أَبوءُ بِذَنبي أَنَّني قَد ظَلَمتُها
وَإِنّي بِباقي سِرِّها غَيرُ بائِحِ
ومن ثم أنشد قائلًا:
إنّ في الجِيرَةِ الذينَ استَقَلّوا
من زَرُودٍ، وبطنَ وجرةَ حلّوا