قصة قصيدة “ألا غدرت بنو أعلى قديما”:
أمّا عن قصة قصيدة “ألا غدرت بنو أعلى قديما” يروى أن رجلاً في المدينة ذا مال كثير، ولا يوجد أحدًا أكثر منه مالًا، وقد توفيت زوجته بعد أن أنجبت منه ولدًا وقد أصرف عليه والده مالًا كثيرًا ممّا أدّى إلى فساده، وقد عرف عن والده أنّه كان رجلًا كريمًا وكثير العطاء فكان يعطي الصدقة لمن يحتاجها، وكان هناك رجلًا فقيرًا يأتي إليه كل صباح فكان يحضر له الخبز والفطور ويجلس بجانبه حتى يأكل وبعدها ينصرف فظلّ على هذه الحالة مدّة طويلة من السنوات، حتى اشتد المرض وهنا خاف الوالد على ابنه أن يصرف المال دون فائدة فحاول نصحه ولكن دون فائدة.
كان ابنه يرافق رفقاء السوء الذين كانوا يحيطون به من كل مكان ومن كل الجهات، فكانوا يتمتعون بما كان معه من مال دون حساب، وعندما اقترب من والده الأجل، قام باستدعاء خدمه، وقام بأمرهم أن يبنوا سقفًا جديدًا لمجلس القصر تحت السقف القديم، ويصنعوا ما بين السقفين مخزن يضعونه به كميّة كبيرة من الذهب، أمرهم أيضاً أن يصنعوا في السقف بوابة ويضعون بها سلسلة حديدية، إذا تمّ سحبها للأسفل تنفتح باتجاه الأرض، وقد فعل الخدم ما أمرهم به، وأبقوا هذا الأمر سرًا عن الابن، وقبل أن يرحل قام باستدعاء ابنه مرّة أخرى ولكن دون فائدة، فقال:
لقد أسمعت إذ ناديت حيًا
ولكن لا حياة لمن تنادي
لقد أذكيت إذ أوقدت نارًا
ولكن ضاعَ نفخُكَ في الرمادِ
ثم قال له: يا بني إذا أنا متُّ، وضاعت منك كل أموالك، وأغلقت في وجهك جميع الأبواب، فأريدك أن تعدني بأن لا تبيع هذا القصر في أيِّ حال من الأحوال، وإن فكرت يومًا في الانتحار فإنّه يوجد في المجلس الكبير سلسلة معلقة أشنق بها نفسك، ومت في قصرك ميتة سهلة مستورة، لم يأخذ الابن كلام أبيه على محمل الجد.
وظل رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى أضاعه كاملًا، فقد خسرت التجارة وباع كل المحالات والبساتين والقصور ولم يبقى له إلّا قصر والده فقام ببيع الأثاث فبقي وحيدًا ورفاقه تخلوا عنه وكرهوا مرافقته، فكان كلما يذهب إلى واحد من رفاقه ينكر وجوده ويرفض لقاءه، فقال:
رأيت الناس قد مالوا
إلى من عنده مالُ
ومن لا عــــنده مالُ
فعنه الناسُ قد مالوا
رأيت الناس منفضة
إلى من عنده فضة
ومن لا عنده فضة
فعنه الناسُ منفضة
فساءت الأحوال به، ولم يعد عنده من شيء يقتات به، حتى ملابسة تمزقت، وحذائه لم يساعده على المسير، كل الذي كان يجده كسرات من الخبز وبعضًا من الماء يحضرها لها المسكين الذي كان يعطف عليه أبوه في حياته.
وقد ضاقت عليه السبل وأغلقت جميع الأبواب في وجه وضاقت الأرض به وهنا قرّر أن يضع حدًا لهزيمته وينتحر فتذكر كلام والده وتلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس القصر، فأحضر صندوقًا ووقف عليه، وربط السلسة حول عنقه، وبعدها أزاح الصندوق بقدميه ليسقط مشنوقا، فيموت ميتة سهلة يرتاح فيها من الدنيا وكدرها.
ولكنّ الشاب لم يمت، وإنّما فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما سحبت السلسة للأسفل، وانهالت على رأسه كميات الذهب الكبيرة حتى غرق فيها، ففرح الشاب فرحًا شديدًا لأنّ كربه قد انفرج، وذهب إلى السوق واشترى ما حلي له من أفضل الطعام واللباس، وجاء بالرجل الفقير الذي كان يطعمه وجعله رفيقًا له، فكان يقتسم معه الطعام والهندام، وبدأ في التجارة واسترد أموال أبيه وبساتينه وخدمه.
وعندما سمع رفاق السوء بحاله الجديدة وعودته إلى ما كان عليه من يسر حال وعز وغنى، فكروا بأن يرجعوا ما كان بينهم من ود، فقاموا بإعداد مأدبة كبيرة وقاموا بدعوته عليها، فقبل دعوتهم، ودخل عليهم، ولكنّه لم يأكل أي شيء، وقام بإمساك طرف ثوبه وقام بوضعه في كل صنف من أصناف الطعام، وقام لكي ينصرف، فاستغرب أصدقاؤه ممّا فعل، وسألوه عن سببه، فقال لهم: أنتم لم تدعوني أنا ولكنَّكم دعوتم أموالي وملابسي، وهذه ملابسي قد لبّت دعوتكم، ولكنَّي لم أقبل، وقام وانصرف، وقال فيهم:
ألا غدرت بنو أعلى قديما
وأنعم إنّها ودق المزاد
ومن يشرب بماء العبل يغدر
على ما كان من حمّى وراد
وكنتم أعبداً أولاد غيل
بني آمرن على الفساد
لقد أسمعت لو ناديت حياً
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في رماد