قصة قصيدة “أرقت لبرق بليل أهل”:
أمّا عن مناسبة قصيدة”أرقت لبرق بليل أهل” يروى بأنّ والد إمرؤ القيس قد طرده من البيت، ورفض أن يقيم معه، وكان ذلك بسبب شعره، فكان يسير في أحياء العرب، ومعه أصدقاءه من قبائل طيء وكلب وبكر، وكان إذا صادف غديرًا أو بستانًا أو موضع صيد، أقام فيه هو وأصدقاؤه وقام بالذبح كل يوم لمن معه، وكان يخرج للصيد فيتصيد ويأكل هو ومن معه، ويشرب الخمر ويسقيهم، ويبقى في ذلك المكان حتى ينفذ ماؤه فينتقل إلى غيره.
وبينما كان إمرؤ القيس في تلك الحالة قتل أباه، وعندما وصله خبر مقتل أبيه وكان وقتها في اليمن، قال:
تطاول الليل علينا دَمونْ
دَمونُ إنا معشرٌ يمانونْ
وإنا لأهلنا محبّونْ
ثم قال: ضيعني وأنا صغيرًا، وحملني دمه وأنا كبيرًا، والله إنّي لأصحو اليوم، ولن أسكر غدًا، اليوم خمر وغدًا أمر، ثم قال:
خَلِيلَيَّ ما في الدَّارِ مَصْحًى لِشَارِبٍ
ولا في غَدٍ إِذْ كانَ ما كانَ مَشْرَبُ
ومن بعد ذلك قدم إليه مجموعة من بني أسد وكان فيهم المهاجر بن خداش وعبيد بن الأبرص وقبيصة بن نعيم، وعندما علم إمرؤ القيس بقدومهم أمر أن يستضافوا ويكرموا، واحتجب عنهم ثلاثة أيام، وبينما هم كذلك سألوا من كان عندهم عن سبب عدم خروج إمرؤ القيس لهم، فردوا عليهم وقالوا لهم: هو مشغول في عدّ ما في خزائن أبيه من عدة وسلاح، فقالوا: إنّما أتينا أمر نتناسى فيه ما حدث، ونستدرك فيه ما قد يحدث، فلتبلغوه بذلك.
وخرج إمرؤ القيس إليهم بعد ثلاثة أيام، وهو يرتدي عمامة سوداء “وكان العرب يلبسون العمامة السوداء عندما يكون لهم ثأر“، وعندما رأوه نهضوا إليه، وتقدمهم قبيصة بن نعيم وقال له: إنّك على معرفة بما يفعل الدهر، وما تحدثه أيامه، بحيث أنّك لاتحتاج إلى أي موعظة، ولك من منصب وشرف وكرم أصل بين العرب، فعليك أن تعفو وتتجاوز، على أن تختار من بني أسد أشرف بيوتها، وتختار من هذا البيت أفضلهم، وتقتله فداءً لأبيك، فترجع السيوف إلى أغمادها.
فبكى إمرؤ القيس ساعة ثم رفع رأسه وقال لهم: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر في دم، وإنّي لن أعتاض عنه بناقة أو جمل أكتسب منها، وحلف بأنّه لن يأكل اللحم، ولن يشرب الخمر، ولن يتدهن بالدهن، حتى يأخذ بثأر أبيه، وقال:
أرقت لبرق بليل أهل
يضيء سناه بأعلى الجبل
أتاني حديث فكذبته
بأمر تزعزع منه القلل
بقتل بني أسد ربهم
ألا كل شيء سواه جلل
فأين ربيعة عن ربها
وأين تميم، وأين الخول
ألا يحضرون لدى بابه
كما يحضرون، إذا ما استهل