إذا كان توزيع الأصول الاستراتيجي يقوم على مبادئ رصينة من الموازنة بين العائد والمخاطرة وبين حاجات المستثمر بطريقة (شبه) علمية بالنظر إلى المدى الطويل، فإن الخطوة الأخرى (توزيع الأصول التكتيكي) تقوم أكثر على عنصر الحدس وبالنظر إلى المدى القصير والمتوسط. والمرفق التالي يوضح المقارنة بين خطوتي توزيع الأصول الاستراتيجي وتوزيع الأصول التكتيكي.
مرفق 6-3: الفروقات بين التوزيع الاستراتيجي والتوزيع التكتيكي
“كيف ذلك؟” قد تسأل. “وكيف تنصحني تارة ان أنظر فقط للمدى الطويل وتارة أخر تقول لي أن أقتنص الفرص على المدى القصير؟” الجواب على هذا السؤال أن توزيع الأصول الأصول التكتيكي ليس على النقيض من توزيع الأصول الاستراتيجي، بل هو مكمّل له. فتوزيع الأصول التكتيكي يقوم على تعديل بعض أوزان الفئات الاستثمارية التي توصلنا إليها في التوزيع الاستراتيجي (وبناء على حاجات المستثمر وقدرته على تحمل المخاطر) لاستغلال بعض الفرص على المدى القصير أو المتوسط. وهي تقوم على عنصرين:
1. تعديل أوزان الفئات الاستثمارية الأساسية في التوزيع الاستراتيجي لاستغلال الفرص على المدى القصير أو المتوسط. وكمثال على ذلك لنقل أن توزيع الأصول الاستراتيجي الخاص بك يقول ان عليك استثمار 10% من محفظتك في سوق النقد/المرابحات، ولكنك تتوقع على مدى الأشهر أو السنة القادمة أن يكون أداء أسواق النقد/المرابحات أفضل من الماضي بينما سيكون أداء الأسهم أقل، ففي هذه الحالة يمكنك زيادة وزن أسواق النقد/المرابحات في محفظتك (فلنقل بـ3%) والتقليل من وزن الأسهم بنفس النسبة.
2. توزيع كل فئة استثمارية أساسية على الأسواق أو القطاعات المكونة لها والوزن لكل سوق بناء على التوقعات للمدى القصير والمتوسط. فتوزيع الأصول الاستراتيجي يمكنه تحديد الأوزان النسبية لكل فئة استثمارية ككل، ولكنه لا يقوم بتحديد الوزن المفضل في كل سوق. فعلى سبيل المثال لنقل أن توزيع الأصول الاستراتيجي الخاص بك يحدد أن من المفضل استثمار 25% من محفظتك في أسهم الدول المتقدمة. ولكن اختيار أي أسواق الدول المتقدمة تستثمر فيه والوزن النسبي لكل سوق هو من قرارات توزيع الأصول التكتيكي. لذا قد تبدأ بتوزيع أصولك على جميع أسواق الأسهم المتقدمة وفقاً لحجمها، مما يعني أن تخصص 12.5% للأسهم الأمريكية (50% من الحصة المخصصة لأسهم الدول المتقدمة)، ولكن لنفترض في الوقت ذاته أنك متشائماً من مستقبل الاقتصاد الأمريكي بحيث تخفف من الوزن المخصص له من 12.5% إلى 10.0%، بينما تكون متفائلاً من الاقتصاد الياباني فتزيد الوزن المخصص له من 2.5% (10% من الحصة المخصصة لأسهم الدول المتقدمة) إلى 5.0%.
والرسم البياني التالي يوضح تسلسل توزيع الأصول التكتيكي على هذا النحو.
مرفق 6-4: الإطار العام لتوزيع الأصول التكتيكي
ولكن من المهم في هذا الصدد الإشارة إلى أن توزيع الأصول التكتيكي هو بمثابة تعديل لتوزيع الأصول الاستراتيجي، ولكنه لا ينبغي أن يكون قلباً له، فلا ينبغي أن يكون الحد الموصى به للأسهم في توزيع الأصول الاستراتيجي هو 10% وسوق النقد / المرابحة 75% لكننا نقلب الأوزان لتصبح 10% لسوق النقد / المرابحة و75% للأسهم، حتى ولو كنا نتوقع للأسهم الصعود، إذ أن ذلك يؤدي إلى تغيير جذري في نسبة المخاطرة للمحفظة قد يجعلها غير مناسبة لمتطلباتنا.
ولكن في هذا الصدد قد يسأل سائل: “من أين لي أن أحصل على المعلومات لأتخذ قرارات مهمة في هذا الصدد؟” الجواب هو أن المعلومات الاقتصادية أصبحت الآن في كل مكان سواء كانت في الصحف (كالاقتصادية وبالأخص ملحق الفاينانشال تايمز الخاص بها)، أو المجلات (كمجلة المجلة، وبالأخص ملحق الإيكونوميست الخاص بها)، أو النشرات الاقتصادية المتخصصة التي تصدر دورياً من البنوك ودور الاستثمار، أو مواقع الإنترنت (أمثال بلومبيرج و رويترز و البي بي سي)، أو حتى محطات الأخبار الاقتصادية (مثل سي إن بي سي). كل ما عليك هو أن “تطبّ وتتخيّر”.
وفي علم المالية الحديث تُعرّف المخاطرة بأنها قابلية التذبذب في العائدات. فإذا كان استثمار ما يصعد ويهبط كثيراً فمن المؤكد أنه سيكون أكثر خطورة من الاستثمار الذي يبقى ثابتاً أو يتحرك ببطء، حتى وإن كان الأصل الذي يتذبذب كثيراً يميل إلى التفوق في الأداء عن الاستثمارات التي تتحرك ببطء عبر الوقت. وهذا يبدو مشابهاً بعض الشيء للأطفال الصغار، فالأطفال كثيري الحركة من المؤكد أنهم أكثر خطراً على أنفسهم من الأطفال الساكنين الذين يجلسون فقط ويشاهدون التلفاز طوال اليوم. ولكن يمكن القول كذلك أن الأطفال كثيري الحركة في النهاية هم الأكثر ترفيهاً ونجاحاً في المسقبل على المدى الطويل، على الرغم من أنهم يتطلبون اهتماماً أكبرعلى المدى القصير. وعندما تكون عائداتك أكثر تذبذباً فإن احتمال خسارتك في سنة من السنوات ستزداد. وعندما يقوم المستثمرون بقياس أدائهم، يجب عليهم أن يُضمّنوه مقدار المخاطرة التي يتحملونها، وذلك باستخدام بعض المؤشرات لتعديل العائدات (عادة ما تكون معامل “البيتا” Beta أو “معدل الانحراف المعياري” Standard Deviation اللذان تطرقنا لهما سابفا . وبالتالي إذا كانت هذه المؤشرات عالية في استثماراتك فإن ذلك يعني أن استثماراتك أكثر تذبذباً وبالتالي فأنك ينبغي أن تتوقع عائداً أعلى (أو أن لا ترضَ بنفس العائد المتحقق من استثمارات أقل تذبذباً).
توقيت الدخول والخروج
من أكثر الأسئلة ذات العلاقة بتوزيع الأصول التكتيكي هو السؤال حول الوقت الأنسب للخروج من شركة معينة أو من سوق بأكمله. في هذا الصدد يعتقد الكثير من المستثمرين والمحللين بأنهم يستطيعون توقيت السوق؛ بمعنى أنهم يظنون أن بإمكانهم أن يتكهنوا بوقت قرب انتعاش السوق ووقت قرب هبوطه. ونتيجة لذلك فإنهم يوصون ببيع الأسهم عندما يقترب السوق من وضع الهبوط وإعادة شرائها مرة أخرى عندما يقترب السوق من حالة الانتعاش.
ولسوء الحظ إذا كان الأمر بهذه السهولة فسيكون بإمكان هؤلاء الأشخاص استغلالها من منازلهم الصيفية في الشاطئ الفرنسي(كوت دازوغ، للمعلومية فقط) ومن طائراتهم الخاصة ولن يرغبوا في أي حال من الأحوال انتشار هذه المعلومات المربحة، فما بالك بنشرها على الملأ في الصحف أو بيعها بحفنة من الدراهم.
ولإيضاح النقطة فقد أعطت أحد دور الاستثمار مثال يدور حول 3 أشخاص افتراضيين: عبيّد (مُلاحق الأداء)، وصويلح (الانتهازي)، وأحمد (منوّع الأصول). كل الثلاثة ابتدؤوا في الادخار والاستثمار بنفس السنة، وكل منهم كان يدّخر 10,000 ريال في أول كل سنة لمدة 20 سنة ابتداءً من عام 1986م وحتى نهاية عام 2006م (أي ما مجموعه 200,000 ريال لكل منهم). ولكن الفرق الأساسي بينهم كان في السياسة الاستثمارية لكل منهم، فدحيّم كان في كل سنة ينظر لأداء الفئات الاستثمارية المختلفة في العام الماضي فيستثمر فقط في أفضلها أداءً عبر العام الماضي (ولذا سمّيناه “مُلاحق الأداء”)، وهذه بالمناسبة هي أكثر السياسات انتشاراً بين عموم المستثمرين (أي الاستثمار في الفئة التي كانت الأفضل أداءً عبر العام الماضي متوقعاً استمرار الأداء العام الحالي)، أما صويلح فقد كان أكثر دهاءً من صاحبه عبيّد، إذ كان وبعكس عبيّد يرّكز استثماره كل سنة في الفئة الاستثمارية الأسوأ أداءً خلال العام الماضي (وذلك على افتراض أن الفئة التي تمر بأداء سيء في عام ما، من المرجح أن ينقلب أداؤها في العام التالي فيتحسن، لذا سمّيناه “الانتهازي”)، بينما المستثمر الأخير أحمد فقد كان يستثمر كل سنة في محفظة منوعة بقدر متساوٍ كل عام على مختلف الفئات الاستثمارية، بغض النظر عن أداء كل فئة في السنة السابقة (وذلك إيماناً منه بصعوبة التكهن بالفئات التي يُتوقع لها الأداء الأفضل، ولذا سميناه “منوِّع الأصول”). وإذا أخذنا أداء المستثمرين الثلاثة بنهاية العشرين عام فسنجد أن منوِّع الأصول يكون قد حقق أفضل النتائج (674,267 ريال) ثم مُلاحق الأداء (594,041 ريال) ثم الانتهازي (516,187 ريال). وهذا المثال يوضح مرة أخرى صعوبة انتقاء الوقت المناسب للدخول والخروج من الأسواق والفئات الاستثمارية المختلفة، الأمر الذي يزيد أهمية انتهاج استراتيجية ثابتة من توزيع وتنويع الأصول.
مرفق 6-5: أهمية تنويع الأصول وصعوبة توقيت الأسواق
ولكن هذا بالطبع لا يعني أنه ليس بإمكانك تعديل استراتيجيتك لتنويع الأصول قليلاً بغرض انتهاز بعض الفرص الواضحة. فعندما يصبح الوضع الاقتصادي بأكمله سيئاً لدرجة تؤثر على نمو أرباح الشركات وتبدأ بعض الشركات بالوقوع في مشاكل فإنك قد تخفف من وزن هذا السوق في محفظتك أو تبيع بعض الشركات الأقل جودة والأغلى سعراً بالمقارنة مع قيمتها التقديرية. أما أن تكتشف نظاماً يحدد لك وقت الدخول في السوق والخروج منه بشكل مبكّر وعلى نحو مستمر فقد انكشف ونه مطاردةً للسراب.
إذا قمت بالاشتراك في صندوق استثمار فإنك تكون قد سلمت أموالك إلى مدير محترف أو إلى مؤشر سوق. فمتى يجب عليك أن تبيع حصتك في صندوق الاستثمار هذا؟ من ناحية، إذا قمت بالاشتراك في صندوق بسبب سجل الأداء لمديره من ثم ترك ذلك المدير عمله أو اكتشفت أنه كان يختلف عن ما هو معلن عنه، فإن البيع قد يكون منطقياً في هذه الحالة. ولكن العديد من الدراسات الأكاديمية قد أثبتت بأن الأشخاص الذين يقفزون من صندوق استثماري إلى آخر يميلون إلى تحقيق أداء أقل بكثير من هؤلاء الذين يبقون في مكانهم ملتزمين بصندوق واحدة. لذا فالقاعدة العامة ينبغي أن تكون الاستمرار مع صندوق الاستثمار التي اشتركت فيه حتى خلال الأوقات العصيبة. فإذا كان مدير الصندوق الشهير الذي عرفته وأحببته لسنوات قد شد الرحال لصندوق آخر فإنك ربما تود أن تتبعه، ولكن بيع صندوق أو استبداله لمجرد أن أداؤه لم يكن جيداً خلال الأشهر الستة الماضية لا يعتبر مبرراً جيداً.
أما في حالة الأسهم فاتخاذ قرار البيع بشأنها أكثر دقةً من بيع حصة في صندوق استثماري . فالسببين الرئيسين لبيع سهم ما هما:
1. إذا تغيّر عمل الشركة الأساسي أو مستقبلها المرتقب بطريقة جذرية لم تكن متوقعة، أو
2. إذا ارتفعت قيمة السهم بحيث أصبح غالياً لدرجة تجعل من الصعب تبرير سعره في ظل الأداء المالي المتوقع، أو على الأقل تعني أن احتمال ارتفاعه أصبح بعيداً.
وعندما يتغيّر نشاط الشركة بشكل جذري أو عندما تفقد الثقة في كفاءة الشركة بإدارتها فقلما يكون الصبر مجدياً. والمستثمرون الذين أصروا بعناد على التمسك بأسهم شركات صناعة سياط الخيول وخدمات نقل الثلج في بداية القرن العشرين شاهدوا استثماراتهم تتحلل إلى لا شيء بينما أحالت السيارات والثلاجات منتجاتهم إلى التقاعد. كما أن البيع قد يكون الخيار المنطقي أيضاً إذا حولت الشركة نشاطها إلى آخرٍ لا تفهمه أنت بشكل جيد. فأهم مخاطرة بتملك أسهم شركة ما هو أن لا تفهم طبيعية عملها.
وأخيراً إذا أصبح سعر السهم مبالغ فيه بشكل كافٍ لدرجة أن تصبح هناك مخاطرة حقيقية للسهم من الانحدار، ينبغي عليك أن تفكر في البيع للحفاظ على رأسمالك المكتسب. ولكن لا تكن متحمساً دائماً للبيع، بالأخص إذا كنت ترى أن الشركة ذات جودة عالية وإدارة ماهرة وتظن أنه يمكن تبرير القيمة المفرطة بعد عام أو عامين من النمو في النتائج المالية، ففي هذه الحالة قد يجدر بك التمسك بالسهم. أما إذا كان التقييم عالياً لدرجة ترى معها أنه غير منطقي، بحيث يفترض أن كافة الأخبار من الآن إلى نهاية العالم سوف تكون جيدة، فالبيع في هذه الحالة قد يكون حليفك الأفضل.
هل تستفيد من تيار السوق أو تتشوش بذبذبته
يولي الإعلام اهتماماً بالغاً بالسوق المالية. ويحب الكثير من الإعلاميين – وبخاصة الذين يستخدمون التحليل التقني منهم – دراسة الرسومات البيانية (الشارتات) الخاصة بالأسواق بغرض تقييم نفسية المستثمرين لاكتشاف ما إذا كان يغلب على السوق احتمال الصعود أو الهبوط. وهم بذلك يفعلون أفضل ما يفعله الإعلاميون: وهو محاولة إيجاد سيل من الأخبار تجعلك ملتصقاً بشاشة الأخبار المالية. فالسوق كسر حاجز المقاومة على سعر كذا، والسهم الفلاني قد يكسر نقطة الدعم على سعر كذا غداً.
ويعتقد معظم المستثمرون المحنكون بأن تلك الممارسات عادة ما تكون غير مجدية، بل قد تزيد المستثمر المسكين تشويشاً بحيث لا يصبح يميز الماء من الزبد في المعلومات المهمة. فالمهم هو التركيز على الشركات وأعمالها التجارية. إذ أن الاستفادة من العوائد طويلة الأجل المتحققة على الأسهم التي شاهدناها على مدى العقود الماضية يتطلب سياسة ثابتة من الشراء والحفظ، دون الخوض في المدى القصير الذي يعرض المستثمر لتذبذب السوق دون أن يسمح له بالاستفادة من تياره الصاعد على المدى الطويل.