دعنا ننظر كيف كانت معدلات العوائد المتحققة في الماضي من مختلف الفئات والبدائل الاستثمارية. إذ أن العائدات في الماضي (بالأخص إذا كانت المدة الزمنية طويلة بما فيه الكفاية) هي أفضل دليل للعائدات التقريبية التي يمكن أن يتوقعها المستثمر في المسقبل، لذا فإن نقطة البداية للمساعدة في اختيار الاستثمار الأنسب هو معرفة متوسط العائدات الكلية على المدى الطويل لكل فئة من الفئات الاستثمارية الأساسية التي تم تعدادها في البداية (وهي: النقد، والسندات، والأسهم، والعقارات، والسلع والمعادن) وكذلك معرفة مقدار تقلب أو “تذبذب” تلك العوائد من سنة إلى سنة (والذي يعتبر المعيار الأساسي لـ تحديد المخاطرة المنطوية على أي استثمار). وستلاحظ أن بيانات العوائد مأخوذة لفترات زمنية مختلفة لبعض الفئات الاستثمارية، والسبب في ذلك أن بعض الفئات الاستثمارية إما كانت غير موجودة أو غير منتشرة قبل وقت معيّن أو طرأ فيها تغيّر جذري قبل فترة زمنية معينة. وبصفة عامة، كلما كانت الفترة الزمنية طويلة، كلما زادت الثقة بأن العوائد المتوقعة ستكون قريبة من متوسط العوائد في الماضي.
النقد :
وضع مالك في وسائل الاستثمار النقدية ذات المدى القصير (مثل الودائع الزمنية وصناديق النقد والمرابحة) قد يحقق ما متوسطه 5.06% سنوياً منذ ما يزيد على 20 سنة. وبرغم أن ذلك قد يبدو قليلاً اليوم، من المهم أن تتذكر أن التضخم كان شبه منعدماً معظم القرن الماضي، مما يجعل عائد 5.06% سنوياً أمراً جذاباً نظراً لعدم تأثره كثيراً من التضخم. لكن مع ازدياد نسبة التضخم في السنوات الأخيرة (وبالذات مع زيادته عن معدل 10% سنوياً كما هو حال معظم دول الخليج العربي)، في الوقت ذاته الذي انخفضت فيه أسعار الفائدة (التي تؤثر جذرياً في استثمارات سوق النقد) فإن العائد على هذه الفئة أصبح أقل جاذبية.
السندات :
سندات الحكومة طويلة الأجل، أو الصناديق الاستثمارية التي تستثمر في السندات أو الصكوك كانت تدُر عائداً بمعدل حوالي 6.24% كل عام منذ 1994م (أي منذ ما يفوق 10 أعوام). ومن الطبيعي أن العائد كان أعلى من العائد على أسواق النقد نظراً لأنها تتسم بقدر أقل من السيولة وقدر أكبر من التذبذب (وبالتي فهي أكثر مخاطرة)، وبالتالي فإن ذلك يُعدّ مصداقاً للمبدأ الأساسي في عالم الاستثمار أن تحقيق عائداً أعلى ينطوي على مخاطرة أكبر (والعكس صحيح). وبالطبع السندات المسعّرة بعملة ما ترتبط بأسعار الفائدة لتلك العملة (مثلها مثل سوق النقد بعاليه). ونظراً للارتباط الوثيق بين أسعار الفائدة على الدولار وعلى العملات الخليجية، يمكننا استخدام العوائد المتحققة على سندات الدولار (والتي استخدمناها لاستخراج الأرقام بعاليه) كمؤشر للعوائد على السندات المقومة بعملات الخليج، كما يمكن أخذ هذه الأرقام كمؤشر للعوائد التي يمكن أن نتوقعها من الصكوك والتي تعتبر الصيغة الشرعية للسندات.
الأسهم :
كانت الأسهم جيدة جداً للمستثمرين على المدى الطويل، فقد حققت الأسهم العالمية للدول المتطورة (كالولايات المتحدة وأوروبا واليابان) عائداً بمتوسط 8.22% كل عام منذ 1974م (أعلى من السندات كما توقعنا)، فلو وضعت 1,000 ريالاً في الأسهم في عام 1974م فإنك كنت ستحصل على ما يزيد عن 50,000 ريال اليوم. ولكن الأسهم كذلك كانت أكثر تذبذباً (وبالتالي أكثر مخاطرة) من السندات على المدى القصير. فلو نظرنا للأسهم الأمريكية عبر العقود على سبيل المثال، فسنجد أن أفضل العقود كان عقد الخمسينات عندما زادت الأسهم الأمريكية بما معدله 18.23% سنوياً، ثم عقد الثمانينات عندما زادت الأسهم بمتوسط 16.64% سنوياً، ثم التسعينات التي زادت الأسهم أثنائها بمتوسط 17.3% سنوياً. بينما أسوأ عائد في أحد العقود كان عقد الثلاثينات (والذي عاصر ما يعرف بفترة الكساد العظيم في أمريكا) عندما انحدرت الأسهم بما متوسطه 0.17% كل عام بما في ذلك العائد من الأرباح الموزعة.
لكننا ذكرنا أن الأرقام بعاليه تتعلق بأسهم الدول المتطورة. أما الدول النامية (تشمل العديد من الدول بما فيها الصين والهند ومعظم دول جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، وكذلك يدخل ضمنها دول الخليج) فقد حققت متوسط عائد أعلى يبلغ 16.34% سنوياً عبر الأعوام العشرين الأخيرة، وذلك نظراً لأن هذه الدول أسرع نمواً في العادة من الدول المتطورة. ولكن بالمقابل فإن الدول النامية تتسم بمقدار أعلى من المخاطرة حيث بلغ معدل التذبذب السنوي في عائداتها 22.6% سنوياً والذي كان أعلى بكثير من الدول المتطورة الأكثر استقراراً والتي حققت تذبذباً بمعدل 13.6% سنوياً. وعلى سبيل المثال فمنذ عام 1974م بلغ العائد على أسهم الدول المتطورة في أسوأ سنة لها (عام 1974م) 29-%، بينما كانت أسوأ سنة للأسهم النامية (2000م) أكثر ضرراً حيث حققت خسارة أكبر مقدارها 31-% بالرغم من الفترة الزمنية الأقصر لأسهم الدول النامية.
ولو نظرنا للأسهم السعودية على وجه الخصوص (نظراً لأهميتها للمستثمر) فسنجد أنها منذ 1987م (أي منذ 20 عاماً) قد حققت متوسط عائد عبر السنين يبلغ 18.9% سنوياً، ومقدار تذبذب سنوي يبلغ 40%، بينما بلغت عوائد أفضل سنة 105.4% (عام 2005م) وأسوأ سنة 49.9-% (عام 2006م). وبهذا يمكن اعتبار السوق السعودي صيغة أكثر مخاطرة من الأسواق النامية على وجه العموم.
العقارات :
العقارات تحتل مكانة حميمة بين مستثمري الدول النامية بشكل عام والمستثمرين في الخليج بشكل خاص. فكثيراً ما نسمع مقولات في مديح العقار مثل: “العقار يمرض ولا يموت” و “العقار تطبخه الشمس إلى أن يستوي”. ولعل هذه الميول للعقار تعود لعدد من الأسباب:
- • الميل الطبيعي للمستثمرين في الدول النامية للاستثمارات المحسوسة التي يمكنهم مشاهدتها ومعاينتها ووضع يدهم عليها، الأمر الذي يعطي العقار الكثير من جاذبيته. فهو من هذه الناحية يتميز عن العديد من الفئات الاستثمارية الأخرى (مثل الأسهم) التي يغلب عليها الطابع غير المحسوس.
- • الطبيعي للعديد من الأسواق النامية، حيث لم تكن هناك قنوات استثمارية متاحة لفترات طويلة غير العقار. ففي السعودية على سبيل المثال لم يبدأ سوق الأسهم إلا في 1984م، كما أنه لم يكتسب الطابع الاستثماري على المدى الواسع إلا بعد 2002م، الأمر الذي يعني أن أجيالاً من المستثمرين اعتادوا على العقار كالقناة الرئيسية للاستثمار ولبناء الثروة. ولهذا السبب نجد أن العديد من أثرياء المنطقة قد كونوا ثرواتهم عبر العقار.
وبغض النظر عن أسباب انتشار العقار، هل النظرة الإيجابية له بصفته “شيخ الاستثمارات” هي نظرة صحيحة ومنطبقة في عصرنا الحالي؟
الحقيقة أن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل، إذ لا يوجد مؤشر واضح لأداء العقارات في المملكة أو في دول المنطقة بصفة عامة. ولو كان بإمكان شخص حساب معدل العوائد على المدى الطويل على قطعة أرض بعينها بالنظر إلى التغيّر في سعرها، إلا أنه يصعب عمل الشيء نفسه لجميع العقارات. وبالرغم من هذه الصعوبة، يمكننا تقدير العوائد المتوقعة على العقارات بالنظر إلى العوائد المتحققة على الاستثمارات العقارية في الدول النامية (الأخرى ككل) عبر مدة زمنية طويلة.
يمكن تقسيم العقارات كما فعلنا بالأسهم إلى شقين رئيسيين: عقارات الدول المتطورة وعقارات الدول النامية. فعقارات الدول المتطورة قد حققت في السنوات العشر الماضية عائداً متوسطه 6.2% سنوياً. بينما الدول النامية فقد حققت متوسط عائد أعلى يبلغ 8.2% سنوياً في ذات الفترة،ث وذلك نظراً لأن هذه الدول أسرع نمواً في العادة. ولكن بالمقابل فإن الدول النامية تتسم بمقدار أعلى من المخاطرة حيث بلغ معدل التذبذب السنوي في عائداتها 28.6% والذي كان أعلى بكثير من الدول المتطورة والأكثر استقراراً والتي حققت تذبذباً بمعدل 18.1%. وعلى سبيل المثال فمنذ عام 1997م بلغ العائد على أسهم الدول المتطورة في أسوأ سنة لها (عام 1997م) 21-% بينما كانت أسوأ سنة للأسهم النامية (1997م) أكثر ضرراً حيث حققت خسارة مقدارها 59.4-%. وبهذا يتضح أن أداء العقارات بصفة عامة هو أداء متوسط بين السندات والصكوك (الأكثر أماناً والأقل عوائداً) وبين الأسهم (الأقل أماناً والأكثر عوائد).
السلع والمعادن:
لو نظرنا للسلع (مثل النفط والخشب والحديد والمحاصيل الزراعية وغيرها) والمعادن (مثل الذهب والفضة وغيرها) فسنجد أن أداؤها كان متذبذباً على المدى الطويل، فقد أدرت السلع والمعادن عائداً سنوياً يبلغ في متوسطه حوالي 6.7% و6.1% على التوالي عبر الأعوام العشرين الماضية. والسلع بهذا تكون أقل عائداً من الأسهم والعقارات، وفي نفس الوقت كانت أكثر تذبذباً (وبالتالي أكثر مخاطرة) من الأسهم والعقارات على المدى القصير. وبالتالي فإن الناظر للوهلة الأولى قد يعتبرها غير ذات أهمية للاستثمار، ولكن النظرة الفاحصة ستظهر أن حركة السلع والمعادن عادة ما تكون معاكسة لحركة الاستثمارات الأخرى مما يكسبها أهمية في تجنيب محفظة المستثمر الخسائر أوقات نزول الأسواق، وذلك كما سيتم تفصيله لاحقاً. (إلا إذا كان المستثمر مستثمراً فيها بطريق غير مباشر كما هو الحالي بالنسبة لكثير من سكان منطقة الخليج .
جدول 2-1: الأداء المقارن للفئات الاستثمارية المختلفة على المدى الطويل:
الفئة الاستثمارية |
الفترة الزمنية |
معدل العائد |
معدل التذبذب (المخاطرة) |
أعلى سنة |
أقل سنة |
||
السنة |
العائد |
السنة |
العائد |
||||
النقد |
31/12/1984 – 31/12/2007 |
5.06% |
0.6% |
1989 |
8.3% |
2003 |
0.9% |
السندات |
31/12/1993 – 31/12/2007 |
6.24% |
3.8% |
1982 |
31.8% |
1994 |
4.2-% |
الأسهم |
|||||||
أسهم الدول المتطورة |
31/01/1974 – 31/12/2007 |
8.22% |
14.2% |
1986 |
37.7% |
1974 |
29.2-% |
أسهم الدول النامية |
31/12/1987 – 31/12/2007 |
16.34% |
22.6% |
1993 |
74.0% |
2000 |
31.0-% |
الأسهم السعودية |
31/12/1987 – 31/12/2007 |
18.95% |
39.9% |
2005 |
105.4% |
2006 |
49.9-% |
العقارات |
|||||||
عقارات الدول المتطورة |
31/12/1997 – 31/12/2007 |
6.21% |
18.1% |
2004 |
34.6% |
1997 |
21.0-% |
عقارات الدول النامية |
31/12/1997 – 31/12/2007 |
8.24% |
28.6% |
2006 |
63.4% |
1997 |
59.4-% |
السلع |
31/12/1987 – 31/12/2007 |
6.78% |
18.8% |
1999 |
43.8% |
2001 |
25.5-% |
المعادن |
31/12/1989 – 31/12/2007 |
6.10% |
25.5% |
2003 |
85.9% |
2002 |
21.3-% |
وبالنظر إلى الجدول الظاهر بأعلاه يتضح أن الأسهم كانت أفضل الفئات الاستثمارية أداءً على المدى الطويل. وبهذا الصدد قد تبدأ بالتفكير “طيّب قِل لنا من الأول إن الأسهم أحسن وخلنا نحط كل فلوسنا بهالأسهم بدون ما تلخبطنا بكل هالأرقام والخرابيط!”
الحقيقة أن الجواب ليس بهذه السهولة. فالأسهم، وإن كانت الأفضل أداءً فهي أيضاً من الفئات الأعلى مخاطرةً. لذا فإن المستثمر الذي يدخل أو يخرج في وقت غير مناسب قد يحقق عوائد ضعيفة أو حتى يحقق خسائر (الأمر الذي يقل احتماله للفئات الأقل مخاطرةً والأقل عائداً). وتذبذب الأسهم قد يعني أن الأوقات العصيبة قد تمتد سنوات عدة في بعض الأحيان. فلو نظرنا على سبيل المثال السوق الأمريكي (أكبر سوق في العالم) سنجد أنه مر بفترات طويلة يحقق فيها معدلات عائد سلبية (كما في عقد الثلاثينيات الذي تحدثنا عنه قبل قليل)، كان لفترة الـ13 عاماً الممتدة بين عام 1964م وعام 1977م، حققت فيها الأسهم أداءً ضعيفاً يقل عن 5% سنوياً، بينما كان أداء الذهب بالمقابل في تلك الفترة يفوق 10% سنوياً. بالطبع كان ذلك نظراً لفترة من الكساد الاقتصادي المطوّل خلال تلك الفترة والذي تخلله قدر عالٍ من التضخم. ولكن بغض النظر عن الأسباب، فإن الشاب الذي بدأ بالاستثمار والادّخار في عام 1964م وفكّر بنفس الطريقة فركّز استثماراته كلها في الأسهم (دون خرابيط)، كان سيكتشف أن الـ100 ريال (أو دولار نظراً لكونه أمريكياً في أغلب الظن) التي استثمرها في أول الفترة كانت ستحقق له أقل من 200 ريال (أو دولار) بعد 13 عاماً مضنية من الاستثمار، أقل بكثير من البدائل الأخرى التي كان بإمكانه الاستثمار فيها. والرسم البياني أدناه يوضح حركة بعض الفئات الاستثمارية المختلفة (الأسهم والسندات والذهب) خلال تلك الفترة. لذا كان الأجدر بصاحبنا أن يوّزع استثماراته، ولو فعل لكانت نتيجته أفضل.
رسم 2-5: حركة أداء الذهب مقارنة بالأسهم والسندات في عقد السبعينيات
وحتى في الفترات الجيدة بالنسبة للأسهم فإن إضافة الفئات الاستثمارية الأخرى يعطي المستثمر تنويعاً أفضل مما يسمح للمستثمر تحقيق نفس العائد أو عائد مقارب ولكن بقدر أقل من المخاطرة (وكما سنتعلم لاحقاً فإن المهم ليس فقط العائد المحقق أو المتوقع، بل العائد المحقق بالمقارنة مع المخاطر المحتملة). كما أن هذا التنويع يسمح لكل مستثمر بتعديل وزن كل فئة للوصول إلى المزيج من العائد والمخاطرة الذي يناسب متطلباته وميوله .