عند اختيار أي صندوق استثماري ينبغي النظر لنوعين من المعايير:
المعايير الكميّة: وهي المعايير الرقمية التي تعكس أداء الصندوق ومخاطرته.
المعايير النوعية: وهي التي تمثّل الأساليب والإجراءات العملية التي تشكل ميزة الصندوق النسبية وتسمح له بتحقيق أداؤه.
المعايير الكمّية
نظراً لأن الأرقام هي لغة الاستثمار فمن الطبيعي أن تأخذ الأرقام حيزاً كبيراً في تقدير واختيار أفضل الصناديق. والمعايير الكمّية تتعلق بأتعاب الصندوق وأداؤه ومخاطرته بالإضافة إلى مقاييس العائد على المخاطر. وبما أن مقاييس الأتعاب تم التطرق لها سابقاً فإننا سنركز على العناصر المتبقية:
مقاييس العائد:
بالطبع مقاييس العائد هي المقاييس التي تبيّن لك كم معدل العائد الذي حققه الصندوق على مر الفترة السابقة. ومع أن الأداء السابق ليس ضماناً للأداء المسقبلي إلا أنه يعد مؤشراً جيداً له في أحيان كثيرة. ومن أهم ما يقال فيه:
• عادة يقاس العائد لمدة سنة، وثلاث سنوات، وخمس سنوات (وبعض الأحيان لمدة أطول) ومنذ الإنشاء. وفي هذا يمكن فحص أداء الصندوق لوحده ولكن الأهم هو المقارنة بين أداء الصندوق والمؤشر الإرشادي الخاص به أوبين أداء صندوقين. ولكن يجب التأكد عند المقارنة بين صندوقين لمدة أكثر من سنة أن لا يكون العائد للفترة ككل (أي العائد الكامل منذ بدء الفترة) إنما متوسطاً سنوياً لتلك الفترة، وذلك لتسهيل المقارنة. ولهذا الغرض أيضاً ينبغي التأكد أن متوسط العائد هو متوسط سنوي وليس متوسط شهري، كما يحبذ دائماً المقارنة بين فترات واحدة فلا نقارن بين معدل العائد السنوي عبر 5 سنوات لصندوق وعبر 3 سنوات لصندوق آخر.
• وكذلك عند النظر لفترات تزيد عن سنة ينبغي استخدام المتوسط الهندسي للعائد وليس المتوسط الحسابي، وذلك لأن المتوسط الهندسي أكثر دقّة.
• عند قياس أداء الصندوق بالمقارنة مع المؤشر الإرشادي الخاص به، تأكد دائماً أن المؤشر المستخدم صحيح ومناسب بالنظر إلى الصندوق وغرضه والفئات التي يستثمر فيها. فكما لا يُعقل أن يكون المؤشر الإرشادي لصندوق أسهم هو مؤشر سوق السندات (لأنه لا يمثّله)، كذلك لا يُعقل لأي صندوق يختص بالأسهم الشرعية السعودية أن يستخدم المؤشر الكلّي لسوق تداول كمؤشر إرشادي لأنه يحوي شركات غير شرعية لا يمكن للصندوق الاستثمار فيها وبالتالي فهو لا يتماثل مع المجال الاستثماري للصندوق.
مقاييس المخاطرة:
الانحراف المعياري أو معدّل المخاطرة (Standard deviation). هو المقياس الأساسي لمعدل المخاطرة. وهو يقيس مقدار التذبذب في السعر أو العائد حول المتوسط (صعوداً أو نزولاً) عبر فترة من الزمن. وبصفة عامة كلما كان أصغر كانت المخاطرة أقل. والمثال التالي يوضح لماذا يعتبر معدل التذبذب هو معيار المخاطرة.
مثال:
إذا كان لدينا استثمارين (أ) و (ب) كلاهما حققا نفس العائد عبر السنوات السابقة و البالغ متوسطه 29.2% سنوياً، و لكن الاستثمار (أ) حقق العائد بنسبة تذبذب (أو انحراف معياري) يبلغ 3.1%، بينما الاستثمار (ب) حقق نفس العائد و لكن بنسبة تذبذب (أو انحراف معياري) أعلى يبلغ 15.3%. هذا يعني أن أداء الاستثمار (أ) كان أفضل من (ب) لأنه حقق نفس العائد لكن بنسبة تذبذب أقل، مما يعني أن المستثمر في (أ) حقق نفس العائد لكن مع احتمال خسارة أقل. و ذلك كما في الرسم البياني التالي.
|
رسم 5-2: التذبذب والمخاطرة
المشاركة في الأرباح

معامل بيتا (Beta). إذا كان مقياس الانحراف المعياري هو مقياس مطلق، فمعامل بيتا هو مقياس نسبي للمخاطرة. فهو مقياس لمدى حساسية الصندوق للحركة في سوقه أو مؤشره الإرشادي. وكما في الانحراف المعياري كلما كان معامل البيتا أصغر كانت المخاطرة أقل، و ذلك كما في المثال التالي.
مثال: إذا كان معامل البيتا لصندوق يساوي 2 فهذا يعني أن حركة السوق أو المؤشر بمقدار 10% يُتوقع أن ينتج عنها حركة في الصندوق بمقدار 20% (2 × 10% = 20%). ذلك كما في الرسم البياني التالي.
|
رسم 5-3: معامل البيتا كمقياس للمخاطرة (التذبذب) النسبية

مقاييس العائد على المخاطرة:
هذه المقاييس تجمع بين معياري العائد والمخاطرة لتحسب مدى كفاءة الصندوق (أو أي استثمار) في تحويل المخاطرة التي يتحملها المستثمر إلى عوائد على النحو الأفضل. وبالتالي فهي أهم المعايير الكميّة لقياس أداء الصندوق.
• معدل العائد على المخاطرة (Return/Risk Ratio). يقيس معدل العائد بعد أخذ المخاطرة بالحسبان حيث يقوم على قسمة العائد السنوي على المخاطرة السنوية لحساب معدل العائد الذي يحققه المستثمر لكل وحدة يتحملها من المخاطرة. وكلما كان معدل العائد على المخاطر أعلى كان الصندوق أفضل أداءً.
معدل العائد على المخاطرة =
|
متوسط العائد السنوي لصندوق في فترة
|
متوسط الانحراف المعياري السنوي (المخاطرة) للصندوق في نفس الفترة
|
• معدل شارب (Sharpe Ratio). و لا نقصد هنا الشارِب الذي تفتله بفخر على وجهك أو الذي تشقّرينه أو تحلقينه! بل نتحدث هنا عن شارْب (بتسكين الراء) الذي يفتخر به مدراء الصناديق (سواء كانوا حليقين أومفتولي الشوارب). فمعدل شارْب عبارة عن تطوير لمعدل العائد على المخاطرة حيث يقوم على النظرة بأن نسبة المخاطرة على الاستثمار في الودائع الحكومية تقترب من الصفر، لذا فإن أي مخاطرة يتحملها المستثمر هي في سبيل تحقيق عائد يفوق عائد الودائع، وبالتالي فحساب معدل شارب يطرح عائد الودائع الحكومية من أداء الاستثمار ومن ثم يقسم الباقي (والذي يُمثّل العائد المتحقق من جراء تحمل المخاطرة) على مقدار المخاطرة التي يتحملها المستثمر (معدّل الانحراف المعياري). وكلما كان معدل شارب أعلى، كان الصندوق أفضل أداءً.
معدل شارب =
|
(متوسط العائد السنوي لصندوق في فترة – العائد على الودائع الحكومية من نفس عملة الصندوق)
|
متوسط الانحراف المعياري السنوي (المخاطرة) للصندوق في نفس الفترة
|
• معامل ألفا (Alpha). هو الفارق بين العائد الفعلي للصندوق والعائد المتوقع له بناء على نسبة المخاطرة التي يتحملها (بالمقارنة مع مخاطرة سوقه ككل، والتي نحسبها بمعامل بيتا). هو المعيار الفعلي لكفاءة أداء المدير (مع مؤشر شارب). وكلما كان معامل ألفا أعلى، كان الصندوق أفضل أداءً.
معامل ألفا =
|
متوسط العائد السنوي الفعلي لصندوق في فترة – متوسط العائد الذي ينبغي أن نتوقعه من الصندوق
أو
متوسط العائد السنوي الفعلي لصندوق في فترة – (متوسط العائد السنوي للمؤشر الأرشادي للصندوق أو سوقه * معامل بيتا للصندوق)
|
المعايير النوعية
بالرغم من أهمية المعايير الكمّية الواضحة، إلا أنها لا تعدو كونها نتائج. أما المعايير النوعية فيمكن اعتبارها المسببات التي تؤدي إلى تحقيق تلك النتائج. لذا فهي تقديرية بطبيعتها، ولكنها قد تكون في بعض الأحيان أهم من المعايير الكمية، وبالأخص عند التعامل مع صناديق جديدة، أو في سياق تغيّرات واسعة في السوق. وهذه المعايير عديدة ولكن أهمها حجم الصندوق، وجودة فريقه الإداري، واستراتيجيته الاستثمارية، وغياب تضارب المصالح عنه. وسنتكلم عن كل واحدة على حدى.
حجم الصندوق:
لعلنا نتذكر من أول الفصل أن من أهم ميزات الصناديق الاستثمارية هو اقتصاديات الحجم التي تتمتع بها. ولكننا ذكرنا أيضاً أن الحجم الكبير بالمقابل له بعض العيوب (كبطء الحركة وصعوبة الشراء والبيع). لذا فالحجم المثالي هو ذلك الذي يسمح للصندوق من الاستفادة من اقتصاديات الحجم (يختلف من فئة إلى فئة ومن سوق إلى سوق ولكن يمكن تقديره بحوالي 100 مليون ريال)، ولكنه في الوقت نفسه لا يبلغ درجة تصبح عثرة أمام الصندوق. وبصفة عامة يمكن القول أن الصندوق الأصغر عادة ما يكون أفضل (علاوة على أن مدير الصندوق يكون في أغلب الظن أكثر حاجةً مما يجعله يعمل بجهدٍ أكبر من أجل تحقيق نتائج أفضل). ولكن بالطبع هناك دائماً استثناءات للقاعدة.
الفريق الإداري:
عند حديثنا عن الصناديق، لا ينبغي أن ننسى أن الصندوق ما هو إلا تشكيلة من الأفراد المحترفين. فكلما كان باستطاعة الصندوق استقطاب أفضل الكوادر والحفاظ عليها فإن ذلك سيُترجم إلى أداء في المستقبل. لذا يجب أن تنتبه إلى سياسة الصندوق في استقطاب مدرائه وطريقة مكافأته لهم. كما يجب أن تتوقع تغيّر الأداء إذا رحل مدير الصندوق أو حتى فريق إدارة الصناديق بأكمله (كما يحدث الآن)، لذا فإن سجل الأداء للصندوق يكاد أن يكون غير ذي معنى إذا رحل مدير ذلك الصندوق.
الاستراتيجية الاستثمارية:
هذا المعيار واسع بطبعه ولكنه ينبغي أن يجيب على السؤال “لماذا أتوقع أن يكون أداء هذا الصندوق أفضل من غيره؟ وما الأساليب التي ينتهجها لتسمح له بذلك؟” والكثير من الناس في هذا الصدد يكتفون بالإشارة إلى سجل أداء الصندوق كدليل كافٍ، ولكن سجل الأداء ما هو إلا نتيجة وترجمة لميزة نسبية يتمتع بها الصندوق إما من حيث الفريق الإداري أو الاستراتيجية والأسلوب الاستثماري أو كلاهما. ومن المهم في جوانب الميزة في هذا الصدد أن يكون من الصعب على الصناديق الأخرى اكتسابها أو مجاراتها. كما ينبغي النظر إلى مدى استقرار هذه الاستراتيجية، إذ أن هناك مجموعة من الصناديق تبني سجل أدائها باستراتيجية معينة ثم تغيّر تلك الاستراتيجية أو تنشئ صناديق جديدة باستراتيجيات مختلفة، مما يعني أن النظر إلى سجل الأداء السابق لم يعد مجدياً لتقييم التوقعات بشأن مدى نجاح الصندوق.
تضارب المصالح:
من السرد السابق يتضح أن الاستثمار في أي صندوق ينطوي على قدر كبير من الثقة في مدير الصندوق، لذا فمن الطبيعي أن يوّد المستثمر أن يتأكد المستثمر أن مدير الصندوق يعمل لمصلحته ولا يغلّب أي مصلحة أخرى عليها. ونحن نعتبر هذا العنصر من أهم العناصر في تقييم الصناديق، ولكنه في الوقت ذاته نادر التطبيق (وللأسف الشديد). وبالرغم من أن إزالة تضارب المصالح تماماً من الأمور الصعبة جداً، إلا أن المدير الذي يخفف منها بالقدر الأكبر يكون أدعى للوثوق فيه. وفيما يلي نسرد أبرز احتمالات التضارب في المصالح (من الأشد إلى الأخفّ).
مصالح الاستثمار والتداول. وفي هذه الحالات تحصل إدارات أخرى من مدير الصندوق (كإدارة الوساطة، أو إدارة الاستثمار الداخلي في الشركة التي تدير الصندوق أو حتى أحد عملاء الشركة) على أخبار مسبقة عن نوايا الصندوق في البيع والشراء للاستفادة منها، الأمر الذي يمكّن هذه الإدارات وعملائها من الاستفادة من هذه المعلومات على حساب الصندوق. وهذا النوع من تضارب المصالح ممنوع صراحة في أنظمة هيئة سوق المال، ولكن حدوثه ممكن نظرياً بالاستناد إلى الخطأ البشري. لذا فمن الأفضل للابتعاد عن هذا النوع من تضارب المصالح قصر التعامل مع شركات استثمارية ليس لديها إدارات وساطة أو استثمارات داخلية، كما يفضّل الاستثمار مع الجهات التي لا تسمح لمدير الصندوق من إدارة محافظ عملاء آخرين (لإمكانية استفادته من حركات الصندوق).
تعاملات ذات فائدة تجارية. في هذه الحالات يقوم مدير الصندوق باستغلال عمل الصندوق ليحقق لنفسه منافع أو أرباح (غير رسوم الإدارة). والأمثلة على ذلك استفادة المدير من تعاملات الصندوق في البيع والشراء عن طريق قيام المدير بإرسال هذه الأوامر لوحدة التداول الخاصة به، أو بتقديم خدمات مختلفة أو بفرض رسوم مختلفة على الصندوق (حفظ، سجل المساهمين، الإقراض، استئجار مقر…إلخ)، أو باستغلال المدير استثمارات الصندوق للحصول على فائدة تجارية (كعلاقة تجارية مع الشركة المستثمر فيها، هدايا…إلخ) والقاعدة العامة أن هذه الأشكال من تضارب المصالح يجب الإعلان عنها صراحة في نشرة اكتتاب الصندوق، إلا أن الأفضل للمستثمر اجتنابها تماماً. ومن الطرق للابتعاد عن هذا النوع من تضارب المصالح كما في سابقه هو عدم التعامل مع الشركات الاستثمارية التي لديها إدارات وساطة أو استشارات مصرفية استثمارية للشركات، وبالتالي التأكد من أن لمدير الصندوق هدف واحد وهو الإخلاص في إدارة اموالك.
مصالح الرسوم. وفي هذا النوع من تضارب المصالح تكون رسوم المدير أو طريقة حسابها تشجعه على انتهاج سياسة استثمارية قد لا تصب في مصلحة العميل. فعلى سبيل المثال لو كانت رسوم مدير الصندوق تشمل حصة من الأرباح السنوية ككل وليس على الأداء بالمقارنة مع المؤشر، فإن صعود السوق ككل لمستويات عالية في سنة من السنوات قد يحقق للمدير عائداً كبيراً مما يجعله أقل حرصاً على أن يتغلب على السوق ككل أو على مؤشره الإرشادي. وهذا النوع من تضارب المصالح مسموح، ولكن من الأفضل للمستثمر أن يكون واعياً به وأن يجتنبه.
مصالح البيع. وهذا النوع من تضارب المصالح ينشأ عندما يكون لمدير الصندوق فريق مبيعات كبير. في هذه الحالات يُحتمل أن يكون همّ موظفي المبيعات هو دفع المستثمر للدخول أو الاشتراك في صندوق معين ولكنهم ينتهجون أسلوب المشورة الذي يؤدي إلى إيهام المستثمر ومن ثم إدخاله في فئة استثمارية غير مناسبة له أو في صندوق ليس الأفضل في فئته الاستثمارية (بالمقارنة مع صناديق الشركات الاستثمارية المماثلة). وهذا النوع من تضارب المصالح مسموح نظامياً (ضمن بعض القيود) كما أنه الأكثر حدوثاً. لذا فمن المفضل دائماً سؤال موظفي المبيعات كيف يتم مكافأتهم؟ فهل تختلف مكافأتهم باختلاف الصندوق أو الفئة الاستثمارية؟ فإن كان الجواب (نعم) فاعلم أن توصية الموظف قد لا تكون في محلها .