قالت أنا ماري بيسدين، رئيس قطاع تحليل السيارات في فيتش سوليوشن، إن لدى فيتش نظرة إيجابية جدا حيال السيارات الكهربائية لهذا العام وأيضا لفترة الأعوام العشرة المقبلة.
وتابعت: “هذا العام، نتوقع لمبيعات السيارات الكهربائية أن تنمو بنحو 50%، لتصبح نسبة السيارات الكهربائية من إجمالي مبيعات السيارات عالميا عند نحو 5%. وأعتقد أن نسبة الانتشار أو الاختراق هذه هو المؤشر الأفضل عوضا عن نسبة نمو المبيعات، وهذا يرجع إلى أن سوق السيارات الكهربائية ما زالت صغيرة جدا”.
الطلب الذاتي
وفيما يخص الطلب، قمنا بمقاربته من ناحية تقسيمه إلى طلب ذاتي وآخر غير ذاتي. الطلب الذاتي هو النابع من قرارات المستهلكين الذاتية لشراء السيارات الكهربائية بسبب التقنية أو بسبب البيئة أو بسبب رغبتهم باقتناء طراز معين أعجبهم. بالتالي فقرار الشراء ذاتي، وفقا لبيسدين.
أما الطلب غير الذاتي، والذي بدأ ينمو بوتيرة أسرع مؤخرا، هو الطلب الآتي نتيجة التحفيز الحكومي الإيجابي الداعم لاقتناء السيارات الكهربائية أو الطلب الآتي نتيجة القوانين الرادعة لامتلاك سيارات تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي، حيث بدأت بعض المدن بحظر استخدامها أو إعلان بعض الدول عن حظرها بعد عدة سنوات، بالتالي الطلب غير الذاتي هو الطلب المحفَّز عن طريق سياسات الحكومات لاقتناء السيارات الكهربائية، وهذا هو الطلب الآخذ بالتسارع حاليا.
وأوضحت أن هناك محاولات تستهدف خفض إجمالي تكلفة اقتناء السيارات الكهربائية عبر عدة أساليب، حيث إن أحد أهم معوقات شراء تلك السيارات للمستهلك هي أنها أعلى تكلفة مقارنة بالسيارات ذات محركات الاحتراق الداخلي، وبالتالي يسعى مصنعو السيارات لخفض التكاليف. فمثلا تعمل شركة GM بالشراكة مع شركة LG على تطوير مجموعة بطاريات Ultium، وذلك عبر خفض تكلفتها من خلال جعل البطارية أقل تعقيدا ودمج عدة خلايا في الوحدة الواحدة، وهو ما يقلل من عدد المكونات.
“إضافة الى ذلك، لدينا التكاليف الجارية المرتبطة باقتناء السيارة الكهربائية طوال فترة حياتها، وهذا ما يجعلنا نستخدم “إجمالي كلفة الاقتناء” عند المقارنة بدلا من استخدام سعر الشراء فحسب. هذه التكلفة تشمل كلفة الشحن مقارنة بتكلفة ملء خزان الوقود في المحطات والمرتبطة بأسعار النفط. كما أنها قد تشمل انخفاض كلفة المواقف مثلا لأن بعض المدن تخصص مواقف مجانية للسيارات الكهربائية. كما أن بعض الدول تخصص محفزات ضريبية، وبالتالي يبدأ ينظر المستهلك ليس فقط إلى سعر شراء السيارة فقط بل سيحسب معها أيضا الاختلاف في التكاليف خلال فترة الاقتناء، لأن هناك جهودا حثيثة لخفض كلفة السيارة الكهربائية وجعلها مساوية لسعر السيارة ذات محرك الاحتراق الداخلي”، وفقا لبيسدين.
وأوضحت أن مصنعي السيارات الكبار الذين ينتجون كميات ضخمة، والذين يريدون التحول إلى السيارات الكهربائية، يحتاجون إلى وقت أطول لتحقيق ذلك، وبالتالي ترى أن المواعيد المستهدفة من قبلهم كلها تأتي بعد عام 2030. وذلك بسبب ضخامة حجم إنتاجهم والعدد الكبير للطرازات التي يقومون بطرحها، إضافة إلى مدى تعقيد سلسلة الإمدادات التابعة لهم، وبالتالي كل ذلك يتطلب استثمارات ضخمة من قبلهم.
وأشارت إلى أن مصنعي العلامات الفاخرة الأصغر حجما، فيبدو أن الجدول الزمني لتحولهم إلى السيارات الكهربائية سيبدأ في وقت أقرب إلى عام 2025. فلدينا شركات مثل Audi وPorsche وVolvo تعلن أن نصفَ مبيعاتها تقريبا ستكون من السيارات الكهربائية في حينها. أما Jaguar فأعلنت أن جميع سياراتها ستصبح كهربائية عام 2025.
الجدول الزمني الأقصر
وأوضحت أن الجدول الزمني الأقصر هذا يأتي بسبب صِغَرِ حجمِ |إنتاجِ تلك الشركات وقلة عدد طرازاتها ومرونتها الأعلى.
أما من جانب سلاسل الإمدادات، فترى بيسدين أن هناك تغييرات كبيرة جاءت نتيجةً للضرورة التي أحدثتها الجائحة. ففي بدايات الجائحة تعطل الإنتاج لدى شرائح كبيرة من الصناعة الصينية بسبب الإقفالات بداية العام الماضي، وهذا ما كان له بالغ الأثر على صناعة السيارات عالميا خاصة السيارات الكهربائية التي بدا واضحا درجة اعتمادها الكبيرة على الصين وبعض دول آسيا الأخرى خاصة في مجال المكونات الرئيسية للبطاريات.
وأشارت إلى أنه قد نتج عن هذا الإدراك استثمارات ضخمة خلال الأشهر الستة إلى الـ12 الماضية في توطين سلاسل إمداد البطاريات في أوروبا وأميركا الشمالية. وقد أحدثت هذه الاستثمارات حراكا لدى الصناعة ليس فقط على صعيد طرح الطرازات الجديدة بل لضمان نفاذها المتواصل إلى سلاسل الإمداد تلك.
البطاريات
وقالت بيسدين إن هناك عدة تركيبات كيماوية مختلفة للبطاريات. أعتقد أن أبرزها اليوم هي تقنية النيكل والمنغنيز والكوبالت والمعروفة باسم بطارية NMC. إلى جانب ذلك هناك تقنية الليثيوم والحديد والفوسفات والمعروفة باسم بطارية LFP.
وفي السابق كان يتم تبني تقنية البطاريات بحسب المنطقة الجغرافية للمُصَنِّع. فكان الكثير من المصنّعين الصينيين يستخدمون بطاريات LFP بسبب انخفاض ثمنها، في حين كان يستخدم المصنّعون الأوروبيون بطاريات NMC، ولكن ما يحدث اليوم مختلف من حيث إن المصنعين يقاربون استراتيجيتهم للكهربة من منطلق عالمي، وبالتالي يختارون تقنيات البطاريات بحسب خصائص السيارة.
وتابعت: “إذا أراد أحدهم اطلاق سيارة منخفضة الثمن بغض النظر عن السوق سيختارون بطارية LFP. في حين إذا أرادوا سيارة ذات أداء أعلى ومسافة أكبر يستخدمون بطارية NMC. المُنتَج اليوم هو ما يحدد تقنية البطارية. لكن إلى جانب ذلك، فإن استثمار الـ ESG المبني على أسس البيئة والمجتمع والحوكمة، أصبح له أثر في صناعة السيارات الكهربائية، حيث إن اهتمامات الاستدامة تؤثر في مَصْدر المعادن وكيفية استخراجها. ورأينا تحركا واضحا من قبل مصنعي السيارات لخفض الكميات المستخدمة من الكوبالت في بطارياتهم لهذه الأسباب، وهو ما دفع شركة جنرال موتورز إلى استخدام الألمنيوم كبديل في مجموعة بطارياتها الألتيام.
وذكرت أن هناك أيضا تقنيات لم تنزل إلى الأسواق بعد لكنها قد تُحدث ثورة كبيرة، كبطاريات الحالة الصُلبة Solid State. لذا أرى أنه من المبكر بعد الحديث عن التقنية الفائزة في صناعة البطاريات، لكن من الواضح اليوم أن المُصَنّع يختار البطارية التي تناسب خصائص طرازاته واستراتيجيته.
قيادة السوق
وأشارت إلى أن الصين ستبقى كدولة قائمة بذاتها في قيادة السوق العالمي للسيارات الكهربائية خلال الفترة الزمنية لدراسة فيتش الممتدة حتى عام 2030، لكن الأمر اللافت هو أن الاتحاد الأوروبي أحدث دفعة قوية ممنهجة من خلال سياساته التي ربطت بين دعم التعافي الاقتصادي من الجائحة مع أهدافه المرتبطة بالانبعاثات، ليربط بذلك إنفاقه التحفيزي بالاستثمارات والمشاريع الخضراء. وهذا من شأنه دعم تبني السيارات الكهربائية.
وبدا هذا واضحا العام الماضي، حيث بالرغم من تفوق الصين تاريخيا في نسب السيارات الكهربائية من إجمالي المبيعات بلغت نسبة الصين العام الماضي 5%، في حين قلصت أوروبا الفارق بشكل كبير لتصل إلى نحو 4.6%، في حين أن الولايات المتحدة ما زالت متأخرة نسبيا بنسبة اختراق بلغت 2% تقريبا، وفقا لبيسدين.
و”ما يقود الأداء الأوروبي اليوم هي السياسات الحكومية. كما أن ما قاد الأداء الصيني في السنوات السابقة هي أيضا سياسات الدعم الحكومية والتي حفزت المستهلك والمصنّع، واستحدثت شبكة شحنٍ واسعة. وتم تفعيل مجموعة سياسات الدعم هذه في وقت متزامن لتوفير دعم واسع للصناعة، وهو نفس الشيء الذي نشهده اليوم في الاتحاد الأوروبي. طبعا سيكون هناك تفاوت بين مستوى الدعم داخل الاتحاد ولكن بشكل عام هذا سيفعّل من نسب تبنيّ السيارات الكهربائية في أوروبا. أما الولايات المتحدة فستشهد ارتفاع نسب الاختراق فيها خلال السنوات المقبلة بعد تولي بايدن الرئاسة وتوجهه نحو إطلاق سياساته الداعمة للصناعات الخضراء، فبالتالي مجموعة سياسات الدعم الحكومية هي السمة المتشابهة في كل من الصين والاتحاد الأوروبي وقريبا أيضا في الولايات المتحدة”.