معرفة كيفية تحليل واختيار الأسهم والسندات والصناديق الاستثمارية هي نصف المعركة فقط، أما النصف الآخر (والكثيرون يقولون أنه النصف الأهم) فهو معرفة كم ينبغي أن تخصص لكل فئة استثمارية ولكل سوق من محفظتك؟ الجواب على هذا السؤال يكمن في توزيع الأصول الاستراتيجي. بل إن عدداً من الدراسات الأكاديمية قد أظهرت أن حوالي 80-90% من الفروقات بين عوائد المحافظ المختلفة ترجع للاختلاف في توزيع الأصول، بينما الـ10-20% هي التي تعود لاختيار الاستثمارات الأفضل ضمن الفئة الاستثمارية والسوق الواحد.
وتوزيع الأصول الاستراتيجي هو الخطوة التي يقوم فيها المستثمر بتحديد هدفه الاستثماري (كما ذكرنا في الفصل الثاني)، والمبلغ الذي يرغب في استثماره أو ادخاره، ومقدار المخاطرة التي يستطيع تحملها. ومن واقع هذه المتطلبات يخرج المستثمر بالفئات الاستثمارية المناسبة له (كالأسهم والسندات والعقارات…إلخ) وبالوزن المثالي لكل فئة على المدى الطويل بالنظر إلى متطلباته وظروفه الشخصية.
1. معدل العائد المتوقع من كل فئة استثمارية. وذلك بالنظر إلى معدلات العائد التي حققتها في الماضي على المدى الطويل أو بالنظر إلى مؤشرات معينة لتوقعات أدائها.
2. معدل المخاطرة (أو التذبذب) المتوقع من كل فئة استثمارية. وذلك بالنظر إلى معدلات التذبذب التي حصلت لها في الماضي على المدى الطويل أو بالنظر إلى مؤشرات معينة لتوقعات تذبذبها.
3. مقدار الارتباط بين الفئات الاستثمارية المختلفة من حيث الحركات السعرية والأداء. وبالتالي كيف يؤثر خلطها مع بعض على نسبة المخاطرة في المحفظة ككل؟ فإن الفائدة التي يحققها التنويع بين فئات استثمارية غير مترابطة بتخفيض المخاطرة تزيد عن الخسارة المحتملة من تخفيض العائد الكلي للمحفظة.
4. مقدار المخاطرة التي يرغب المستثمر بتحمّلها.
والرسم البياني التالي يوضح طريقة عمل توزيع الأصول الاستراتيجي.
مرفق 6-2: الإطار العام لتوزيع الأصول الاستراتيجي
كم المخاطرة التي تستطيع تحملها؟
من سرد العناصر بعاليه تظهر أهمية المخاطرة حيث أنها تظهر في عنصين في معادلة توزيع الأصول أعلاه. فما هي “المخاطرة”؟ إن المخاطرة هي مقياس مدى استعدادك لأن تشاهد استثماراتك تنخفض في القيمة في الأجل القريب حتى وإن كنت واثقاً أن قيمتها سترتفع على المدى الطويل. فكلما زادت المخاطرة في استثمار ما كلما زاد احتمال هبوطه (أو صعوده) في الأجل القصير. إذاً يمكن القول أن العائد والمخاطرة وجهان لعملة واحدة.
وفي علم المالية الحديث تُعرّف المخاطرة بأنها قابلية التذبذب في العائدات. فإذا كان استثمار ما يصعد ويهبط كثيراً فمن المؤكد أنه سيكون أكثر خطورة من الاستثمار الذي يبقى ثابتاً أو يتحرك ببطء، حتى وإن كان الأصل الذي يتذبذب كثيراً يميل إلى التفوق في الأداء عن الاستثمارات التي تتحرك ببطء عبر الوقت. وهذا يبدو مشابهاً بعض الشيء للأطفال الصغار، فالأطفال كثيري الحركة من المؤكد أنهم أكثر خطراً على أنفسهم من الأطفال الساكنين الذين يجلسون فقط ويشاهدون التلفاز طوال اليوم. ولكن يمكن القول كذلك أن الأطفال كثيري الحركة في النهاية هم الأكثر ترفيهاً ونجاحاً في المسقبل على المدى الطويل، على الرغم من أنهم يتطلبون اهتماماً أكبرعلى المدى القصير. وعندما تكون عائداتك أكثر تذبذباً فإن احتمال خسارتك في سنة من السنوات ستزداد. وعندما يقوم المستثمرون بقياس أدائهم، يجب عليهم أن يُضمّنوه مقدار المخاطرة التي يتحملونها، وذلك باستخدام بعض المؤشرات لتعديل العائدات (عادة ما تكون معامل “البيتا” Beta أو “معدل الانحراف المعياري” Standard Deviation اللذان تطرقنا لهما سابقا . وبالتالي إذا كانت هذه المؤشرات عالية في استثماراتك فإن ذلك يعني أن استثماراتك أكثر تذبذباً وبالتالي فأنك ينبغي أن تتوقع عائداً أعلى (أو أن لا ترضَ بنفس العائد المتحقق من استثمارات أقل تذبذباً).
ولكن المشكلة مع هذا النوع من الأساليب يكمن في أن نتيجته ستختلف بناء على الأفق الزمني الذي تنظر إليه. فالأسهم بصفة عامة تتفوق في الأداء على معظم الفئات الاستثمارية الأخرى على المدى الطويل. أي أنك إذا قمت بالاستثمار في الأسهم عبر العشر سنوات أو العشرين سنة الماضية فإنك في الغالب كنت ستتفوق على أداء معظم الفئات الاستثمارية الأخرى. ولكن لو قمت بتطبيق معادلة توزيع الأصول بالنظر إلى معدلات المخاطرة على المدى القصير فإن أداؤك سيعاني على المدى الطويل لأن تلك المعادلة ستقوم بكل تأكيد بالتقليل من وزن الأسهم في محفظتك وستزيد من وزن الاستثمارات الأخرى مثل الودائع أو المرابحات، والسندات أو الصكوك. لهذا يجب عليك للحصول على نتيجة دقيقة الإجابة على سؤال: متى ستحتاج مالك؟
متى ستحتاج مالك المُسْتَثمَر؟
من الحديث السابق تبدو المخاطرة مشكلة كبيرة جداً. فكيف يمكن لأحد أن يقيّم مدى تحمّله للمخاطرة؟ فإذا كانت القضية الأساسية للمخاطرة هي أن الأسهم تصبح أكثر خطورة عبر الفترات الزمنية القصيرة، فكيف يمكنك أن تعكس ذلك في حساباتك دون عمليات حسابية معقدة؟ الجواب أسهل مما تتوقع. فقبل أن تبدأ بالاستثمار تحتاج إلى أن تُقِّيم مقدار المخاطرة التي باستطاعتك تحمّلها، ثم تختار الاستثمارات بناءً على هذا المعدّل من المخاطرة. وهذا يعني تحديد متى تتوقع أن تحتاج مالك المستثمر.
فإذا كنت بحاجة إلى مالك خلال الأعوام الخمسة القادمة فمن المفضل أن تخفف من الاستثمار في انتقاء الأسهم مباشرة أو في صناديق الأسهم. وإذا كنت بحاجة إلى الأموال خلال الأعوام الثلاثة القادمة فإنك ربما توّد أيضاً أن تخفف من صناديق السندات أو الصكوك أو العقارات التي يمكن أن تهبط إذا ارتفعت معدلات الفائدة. وبالنسبة لهؤلاء الذي يحتاجون الأموال خلال الأعوام الثلاثة التالية فلديهم اختيارات قليلة باقية، وهي شراء سندات أو صكوك فردية أو وديعة أو عقد مضاربة بمدة أقل من ثلاثة أعوام أو بوضع أموالهم في أحد صناديق سوق المال أو صناديق المرابحة أو بواسطة حساب ادخار. فكل وسيلة من تلك الوسائل الاستثمارية تنتج دخلاً في الوقت الذي تضمن لك استردادك رأسمالك الأصلي. لأنك إذا كنت بحاجة إلى أموالك بالفعل خلال الأعوام الثلاثة أو الخمسة التالية فإنك لن تطيق أن تخسر الكثير منها، أليس كذلك؟
أهمية المدى الطويل
قد يسأل سائل: “إذا كان من المحتمل أن أخسر على المدى القصيرعندما أستثمر في الأسهم أو صناديق الأسهم العقارات او حتى صناديق السندات والصكوك فلِم أستثمر فيها أصلاً؟ فمع كل ما حصل لأسواق الأسهم في الفترة الماضية بالنظر لما يحصل لها اليوم من انهيار أليس الأفضل لي أن ألازم البدائل الآمنة وأترك الأسهم لأهلها؟”
الجواب هو أنك إذا اطلعت على العوائد التاريخية التي أنتجتها مختلف الفئات الاستثمارية على المدى الطويل كما نرى في الجدول أدناه، فإنك قد تُعيد النظر في قصر استثماراتك على البدائل الاستثمارية ذات المخاطرة المنخفضة والعائد المنخفض.
جدول 6-1: العوائد السنوية المتحققة في الفئات الاستثمارية المختلفة عبر العقود
معدل العائد السنوي |
||||||
الفئة الاستثمارية |
1975 – 1985م |
1985 – 1995م |
1995 – 2005م |
2005 – *2008م |
1975 – *2008م |
|
النقد |
8.79% |
5.67% |
4.07% |
1.38% |
5.89% |
|
السندات |
8.56% |
9.93% |
7.58% |
4.17% |
8.46% |
|
الأسهم |
|
|||||
أسهم الدول المتطورة |
11.42% |
14.17% |
8.45% |
11.50% |
11.84% |
|
أسهم الدول النامية |
4.50% |
29.82% |
||||
الأسهم السعودية |
20.81% |
1.91% |
||||
العقارات |
6.72% |
10.52-% |
||||
السلع |
0.67% |
0.37% |
7.81% |
20.64% |
5.65% |
|
المعادن |
7.02% |
1.93% |
1.43% |
26.2% |
5.12% |
وكما ترى فإنه عبر أكثر من ثلاث عقود مختلفة تغلبت الأسهم على هزيمة عائدات الفئات الاستثمارية الأخرى. وعلى الرغم من أنه في جميع العقود التي تم قياسها كان هناك مرّات عديدة هبطت فيها الأسهم بنسبة 20% أو أكثر (كما حصل في الأسهم السعودية مؤخراً في شهر أكتوبر 2008م)، بل كان هناك أيضاً بعض الفترات أدت إلى انخاض الأسهم بنسبة 80% (إذا قيست من أعلى الفترة إلى أدنى الفترة) إلا أن العائدات لا تزال هي الأعلى بالمقارنة مع معظم الفئات الاستثمارية الأخرى في معظم الأوقات.
والاختلاف في معدل العائد السنوي يؤدي إلى اختلاف ضخم عبر فترات زمنية طويلة، فبفضل الله ثم بفضل معجزة العوائد التراكمية يصبح لديك بنهاية كل عام أموال أكثر بقليل ليُعاد استثمارها بمعدل أعلى بقليل، وتلك الأموال الإضافية تحقق لك أموالاً أكثر، وهكذا. فخلال الفترة من عام 1974م إلى 2008م، يكون المستثمر قد جنى معدل عائد كلي يبلغ 5,000% من الأسهم مقابل 1,156% من السندات أو الصكوك،أي أكثر بحوالي خمس أضعاف.
أهمية التنويع
أن توزيع الأصول الاستراتيجي (ومهما اختلف المستثمر من حيث توقعات الأداء أو المخاطر) سيؤدي في أغلب الظن إلى الاستثمار في مختلف الفئات الاستثمارية والأسواق، ولكن الذي سيختلف من مستثمر لآخر هو الوزن النسبي لكل فئة وسوق. وسبب تنويعنا الاستثمارات حتى في المحافظ المتحفظة أو المغامرة هو لتخفيض المخاطر وبالتالي للوصول إلى توزان أكثر كفاءة من العائد والمخاطرة.
نماذج لتوزيع الأصول الاستراتيجي
لأجل إعطاء انطباع لمُخرجات توزيع الأصول الاستراتيجي فقد قمنا بإيراد ثلاثة أمثلة نموذجية لها باعتبار درجات متفاوتة من المخاطرة والعائد المتوقع، ونلاحظ في كل محفظة تواجد مختلف الفئات الاستثمارية والأسواق ولكن الاختلاف في الأوزان النسبية في كل محفظة.
أوَلم يقل آنيشتاين أن “أقوى فكرة شاهدتها على الإطلاق كانت العوائد التراكمية”؟ فالفعل قد قال ذلك، وقد كان محقاً!!
رسم 6-1: نموذج لمحفظة متحفظة
معدل العائد السنوي في الماضي: 6.4% |
|
معدل المخاطرة: 4.0% |
رسم 6-2: نموذج لمحفظة متوازنة
معدل العائد السنوي في الماضي: 8.5% |
|
معدل المخاطرة: 10.0% |
رسم 6-3: نموذج لمحفظة مغامرة
معدل العائد السنوي في الماضي: 10.5% |
|
معدل المخاطرة: 16.3% |